تسعى الرئاسة الفلسطينية، عبر مواقفها الأخيرة، إلى ترسيخ معادلة سياسية واضحة ترفض فيها محاولات الاحتلال فرض أمر واقع جديد في الضفة الغربية، خاصة في ظل ما تصفه بـ”التصعيد الممنهج” من قبل المسؤولين الإسرائيليين. وجاءت الإدانة الرسمية الصادرة عن الرئاسة الفلسطينية، تعقيباً على تصريحات وزير إسرائيلي حول ما يسمى “فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة”، لتكون بمثابة موقف تحذيري وموقف قانوني في آنٍ واحد، يكشف عن توجه سياسي حاسم يسعى إلى عزل هذه الطروحات على المستويين الدولي والإقليمي.
تصفية القضية الفلسطينية
فالرئاسة، في بيانها الذي نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية، لم تكتفِ بالرفض، بل وضعت هذه التصريحات في سياق أكبر، واصفة إياها بأنها امتداد لـ”حرب شاملة” تشنها سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. هذا التوصيف لا يخلو من دلالة سياسية، إذ يشير إلى أن القيادة الفلسطينية باتت تعتبر ما يحدث ليس مجرد تصريحات فردية أو مزايدات حزبية إسرائيلية، بل جزءاً من منظومة متكاملة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تدريجياً، بدءاً من الضفة الغربية مروراً بالقدس وانتهاءً بتفريغ القضية من مضمونها القانوني والتاريخي.
وفي هذا الإطار، يحمل تصريح الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة بعداً تحذيرياً مزدوجاً: من جهة، يسلط الضوء على المخاطر السياسية لهذه الدعوات على مستقبل أي عملية سلام محتملة، ومن جهة أخرى، يربط بين استمرار هذه السياسات وبين تفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي. إذ إن الرئاسة الفلسطينية ترى في هذه التصريحات عائقاً مباشراً أمام المساعي الدولية الحالية – سواء كانت أميركية أو إقليمية – لإنهاء الحرب في غزة وإعادة الهدوء إلى الضفة الغربية. وهو ما يعني أن القيادة الفلسطينية تربط بوضوح بين الملفات، وتُحمّل إسرائيل مسؤولية تعقيد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التهدئة.
إسرائيل تعرقل الجهود
اللافت في البيان الفلسطيني أيضاً هو استخدامه الصريح لمصطلحات القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، في إشارة إلى رغبة القيادة بتدويل المسألة وخلق حالة ضغط دولي على حكومة الاحتلال. فبتأكيدها أن الضفة الغربية والقدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة عام 1967، تؤكد الرئاسة الفلسطينية أن ما يُطرح من الجانب الإسرائيلي ليس فقط غير شرعي، بل يتناقض تماماً مع ما أقره المجتمع الدولي.
ويأتي هذا البيان أيضاً في لحظة حرجة، حيث يتصاعد التوتر على أكثر من جبهة، وتتحرك أطراف دولية، لا سيما مصر وقطر والولايات المتحدة، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وبالتالي، فإن الرئاسة الفلسطينية تحاول من خلال تحركاتها الخطابية والإعلامية أن تُبرِز أن من يعرقل هذه الجهود هو الطرف الإسرائيلي، وذلك بإصراره على التوسع الاستيطاني وطرح مشاريع ضم، في ظل ظروف إنسانية وأمنية متدهورة.
استراتيجية اتصال سياسية
الموقف الفلسطيني الرسمي من التصريحات الإسرائيلية بشأن الضفة لا يُمكن قراءته كبيان تنديدي تقليدي فقط، بل هو جزء من استراتيجية اتصالية سياسية تهدف إلى إعادة توجيه الأنظار إلى جوهر الأزمة: الاحتلال ومحاولاته المستمرة للتمدد غير الشرعي. كما يشكل هذا التحرك نوعاً من التحصين القانوني والسياسي للموقف الفلسطيني في أي محافل تفاوضية قادمة، ويبعث برسالة واضحة للعالم بأن القيادة الفلسطينية لن تقبل أي حلول تقوم على تغيير طبيعة الأرض والحقوق تحت غطاء “السيادة” أو الأمر الواقع.