بات الشرق الأوسط، وكأنه مسرح عمليات، لا يخلو من الحروب والنزاعات، التي أشعلتها إسرائيل على مختلف الجبهات، ولم يكن ذلك بمحض الصدفة، وإنما بتخطيط مسبق، تسعى دولة الاحتلال إلى تطبيقه، لتحقي أهداف مُعلنه وليست سرّية، وهي ضرب حالة الاستقرار الأمني في دول المنطقة، والاستيلاء على أراضي من المناطق الحدودية للدول التي تجاور إسرائيل.
من متابعة الأحداث المتسارعة، وأبرزها الحرب على غزة، وجرائم الاحتلال في الضفة الغربية، نجد أن إسرائيل تهدف على تغيير جغرافية المنطقة، ومحو الهوية الفلسطينية، من خلال الممارسات القمعية، تجاه المدنيين بشكل مباشر، تحت غطاء ملاحقة العناصر المسلحة، وهو ما يكشف نية إسرائيل الحقيقة وراء استمرار العمليات العسكرية، ورفض أي مساعي لهدنة ولو مؤقتة.
سياسة العقاب الجماعي
الحرب التي دارت خلال الفترة الأخيرة بين إسرائيل وإيران، صعدت من حجم التوترات في المنطقة، وأخذت زخمًا إعلاميًا وسياسيًا، أدى إلى تحول وجهة الاهتمام العربي والعالمي من غزة والضفة، لمتابعة مستجدات الحرب بين طهران وتل أبيب، وهو ما استغله جيش الاحتلال، للتوسع في العدوان على مدن وقرى الضفة الغربية.
ويؤكد هجوم جيش الاحتلال على مخيمات اللاجئين في الضفة، أن إسرائيل تطبق سياسة العقاب الجماعي. خطورة الممارسات الإسرائيلية تمكن أيضا في أعمال هدم منازل الفلسطيين، التي تم بناء معظمها دون تراخيص، بسبب القيود الصارمة، التي فرضها الاحتلال، والأكثر من ذلك، إجبار الفلسطينيين أنفسهم على هدم منازلهم، إلى جانب تجريف الأراضي الزراعية.
ولم يسلم الفلسطينيون من جرائم الاحتلال فقط، بل يتعرضون لأعمال عنف ممنهجة من جانب المستوطنين، بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي. ورغم العديد من الزيارات التي قامت بها وفود دبلوماسية للضفة الغربية، ومشاهدة أثار العدوان الإسرائيلي على أرض الواقع، قوبل ذلك بحالة من الصمت التام من جانب المجتمع الدولي. ممارسات جيش الاحتلال، تأتي تحت ذريعة اختباء عناصر المقاومة المسلحة، داخل منازل المدنيين. وبين الحين والآخر، ينفذ عناصر المقاومة المسلحة، عمليات نوعية ضد جيش الاحتلال، وهو ما ولّد حالة من الشعور بالقلق البالغ من جانب السكان، بسبب قيام جيش الاحتلال بعمليات انتقامية عشوائية تستهدف كافة مناحي الحياة في مدن الضفة.
خطورة الفصائل المسلحة
وأمام ممارسات الاحتلال القمعية، يرى بعض السكان أن العمليات النوعية، التي تقوم بها المقاومة المسلحة، رد فعل طبيعي تجاه جرائم جيش الاحتلال، التي لم تتوقف، حتى إذا انتهت المقاومة. ومن الواضح أن الممارسات القمعية هي إنعكاس لخطة ممنهجة، هدفها محو الهوية الفلسطينية، وفرض سيادة الاحتلال على مدن الضفة، بهدف تقويض كافة المساعي، لإقامة دولة فلسطينية.
في ظل هذا المشهد المعقد، يعيش السكان في خوف وقلق دائم، بسبب الغارات الإسرائيلية المتواصلة، والاقتحامات في المدن والمخيمات، والتي تترك أثرًا نفسيًا وإنسانيًا بالغًا، خصوصًا بين الأطفال والنساء، وتعيد إنتاج مشهد القهر اليومي الذي يتعارض مع القانون الدولي الإنساني. ولا شك أن العمليات التي تقوم بها الفصائل المسلحة في الضفة، والتي تحاول من خلالها إثبات وجودها على أرض الواقع، يدفع الاحتلال لتوجيه ضربات انتقامية ضد السكان، وهو ما أثار حالة من القلق البالغ لديهم.
إعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية
بالتأكيد أن سياسات الهدم والاقتحام، تعرقل أي جهود للاستقرار، وتبدد كافة الجهود لبناء الثقة. فأعمال هدم المنازل بأوامر عسكرية دون بدائل سكنية، واعتقال الأبرياء في منتصف الليل دون محاكمة عادلة، ومنع التراخيص عن السكان، فهي رسالة ضمنية للفلسطينيين بأنه لا مستقبل آمن لهم في أرضيهم.
استمرار الاحتلال في سياساته اليومية بالضفة الغربية، بالتوازي مع تصعيده الإقليمي، يُظهر أن مشروع السيطرة الإسرائيلية لا يتوقف عند حدود الأمن، بل يمتد إلى إعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية. وتبقى المقاومة جزءًا من معادلة البقاء، حتى لو اختلف الفلسطينيون عليها.