تشهد غزة أوضاعاً إنسانية كارثية تتفاقم يوماً بعد يوم، في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، والتي حوّلت حياة سكان القطاع إلى سلسلة متصلة من الألم والنزوح والخسائر البشرية والمادية. الغارتان الأخيرتان اللتان نفذهما الطيران الحربي الإسرائيلي فجر الأربعاء على منطقة المواصي بخان يونس ومخيم الشاطئ غرب غزة، وأدتا إلى مقتل 20 فلسطينياً على الأقل، بينهم أطفال ونساء، ليستا سوى حلقة جديدة في مسلسل دامٍ يستهدف المناطق المدنية المكتظة، ويزيد من تعقيد المشهد الإنساني والمعيشي في القطاع المحاصر.
تهجير قسري لغالبية السكان
الاستهداف المتكرر لمناطق مثل مخيمات اللاجئين والأحياء السكنية، كما في هذه الغارات، يكشف عن طابع الصراع القائم على إنهاك المجتمع الفلسطيني، وضرب بناه التحتية والنفسية. فالمجزرة الجديدة لم تأتِ في سياق مواجهة عسكرية تقليدية، بل جاءت في لحظة تعثّر سياسي، حيث يتراجع الأمل بالتوصل إلى هدنة أو اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار. الطرفان، «حماس» من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، ما زالا متمسكين بشروط متضادة، تعيق أي تقدم في المفاوضات، وتبقي المدنيين وقوداً لصراع يبدو أنه بعيد عن نهايته.
المعاناة تتجاوز القصف اليومي؛ فبحسب وزارة الصحة في غزة، فإن الحرب المستمرة منذ أشهر خلّفت أكثر من 57 ألف قتيل فلسطيني، في حين تتحدث الأمم المتحدة عن تهجير قسري لغالبية السكان، ونحو نصف مليون إنسان يواجهون خطر المجاعة خلال الأشهر المقبلة. هذه الأرقام المرعبة تضع غزة أمام كارثة إنسانية شاملة، لم تعد تقتصر على نقص الغذاء والدواء، بل تمتد إلى تفكك بنية المجتمع، وانهيار الخدمات الأساسية، وتدمير الأفق أمام أي تعافٍ قريب.
ربط إنهاء ملف الرهائن بوقف الحرب
السياسة الإسرائيلية القائمة على «الضغط حتى الاستسلام»، من خلال مواصلة الغارات ورفض إنهاء الحرب قبل الإفراج عن الرهائن وتصفية «حماس»، تصطدم بحسابات مغايرة لدى الحركة الفلسطينية، التي تُصر على ربط إنهاء ملف الرهائن بوقف الحرب وانسحاب الاحتلال. وفي هذه الدوامة، تتآكل الثقة بأي جهود وساطة دولية، ويظل المدنيون، خصوصاً الأطفال والنساء، عرضة للموت أو التشريد أو الجوع.
لا يبدو أن الحرب على غزة تقترب من نهايتها، بل تتجه نحو مزيد من التصعيد والدمار. والمجتمع الدولي، رغم صرخات المنظمات الإنسانية وتقديرات الأمم المتحدة، لا يزال عاجزاً عن إيقاف آلة الحرب أو فرض حل مستدام. وفي ظل هذا الانسداد السياسي والتدهور الميداني، يبدو المستقبل في غزة أكثر قتامة من أي وقت مضى.