في خطوة تصعيدية جديدة ضمن حملة الضغط الأقصى، فرضت الولايات المتحدة حزمة عقوبات جديدة تستهدف شبكة واسعة من الشركات التي يُعتقد أنها تُسهّل عمليات بيع النفط الإيراني، وتحوّل عائداتها لصالح “فيلق القدس” التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني.
التحرك الجديد يكشف إصرار واشنطن على تقويض البنية التحتية المالية لإيران، بالتزامن مع التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط.
عقوبات تطال 22 شركة في 3 دول
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها فرضت عقوبات على 22 شركة تتخذ من هونغ كونغ، والإمارات، وتركيا مقرات لها، وتتهم واشنطن هذه الكيانات بلعب دور الوسيط في تسويق النفط الإيراني في الأسواق الدولية، ضمن شبكة مالية غير رسمية تساعد “الحرس الثوري” على الالتفاف على العقوبات المفروضة منذ سنوات.
ووفقًا لبيان رسمي، فإن العوائد الناتجة عن تلك الأنشطة يتم توجيهها لدعم برامج تطوير الأسلحة الإيرانية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.
خزانة واشنطن: طهران تستغل الاقتصاد الموازي لتمويل التهديدات
وقال وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسينت، إن “النظام الإيراني لا يستخدم موارده لخدمة شعبه، بل يسخّرها لتمويل مخططاته النووية والصاروخية عبر نظام مالي سري يلتف على القيود الدولية”.
وأضاف: “نعمل على تفكيك هذا النظام الموازي الذي يتيح لإيران تهديد الاستقرار الإقليمي وأمن الولايات المتحدة وحلفائنا”.
وأشار بيسينت إلى أن تركيز العقوبات بات اليوم موجّهًا بشكل أكثر دقة نحو البنية التحتية التي يعتمد عليها “الحرس الثوري” في عملياته العابرة للحدود.
النفط.. شريان التمويل الأكبر
لطالما كان النفط الإيراني مصدرًا رئيسيًا لتمويل أنشطة “الحرس الثوري”، خاصة “فيلق القدس”، الذراع الخارجية للعمليات العسكرية والاستخباراتية. ورغم القيود المشددة، تمكنت طهران من تطوير شبكات تهريب معقدة تعتمد على شركات واجهة وناقلات نفط تُخفي هويتها، ما يسمح بتصريف الخام الإيراني عبر وسطاء غير رسميين.
وبحسب تقديرات غربية، فإن هذه الأنشطة تُدر مليارات الدولارات سنويًا، تُستخدم في تمويل الميليشيات الحليفة لطهران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
خلفية التوقيت: عقوبات بعد مواجهة مباشرة
العقوبات الأميركية الأخيرة تأتي في ظل توتر متصاعد عقب المواجهة العسكرية القصيرة بين إسرائيل وإيران، والتي شهدت استخدامًا واسعًا للصواريخ والطائرات المسيّرة. وتقول واشنطن إن جزءًا كبيرًا من هذه القدرات العسكرية تم تمويله عبر العوائد السرية من مبيعات النفط.
ويبدو أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذه العقوبات إلى تجفيف منابع التمويل الإيراني، لا سيما تلك التي تُستخدم في زعزعة استقرار المنطقة، وفق توصيف البيت الأبيض.
ردود متوقعة من طهران.. وتصاعد للمواجهة الاقتصادية
حتى لحظة إعداد التقرير، لم تصدر ردود فعل رسمية من الجانب الإيراني، لكن من المتوقع أن ترد طهران بإدانة الخطوة واتهام واشنطن بـ”القرصنة الاقتصادية”.
وكانت إيران قد هددت سابقًا بتوسيع نطاق الرد على العقوبات من خلال التصعيد في مياه الخليج أو عبر وكلائها الإقليميين.
ومع استمرار العقوبات وتضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني، تزداد الضغوط الداخلية في طهران، وسط أزمة اقتصادية متفاقمة وتراجع في سعر العملة المحلية.
سياسة الخنق المالي مستمرة
تكشف الخطوة الأميركية عن توجه استراتيجي طويل الأمد لا يستهدف فقط القدرات العسكرية الإيرانية، بل يركز على المنظومة الاقتصادية التي تدعمها. وبينما تصر واشنطن على أن هدفها هو كبح جماح “الحرس الثوري”، يرى مراقبون أن المواجهة الاقتصادية قد تتحول إلى صراع سياسي وعسكري أوسع، إذا ما قررت طهران الرد خارج الحدود.