رفض القضاء اللبناني طلباً رسمياً من الجانب الليبي بالإفراج عن هنيبعل القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، والموقوف في لبنان منذ العام 2015، معتبرًا أن أي خطوة في هذا الاتجاه مشروطة بكشف مصير الإمام موسى الصدر ورفيقيه، المغيّبين منذ أكثر من أربعة عقود في ليبيا.
مذكرة قضائية لبنانية ترد على طرابلس
الموقف اللبناني جاء في مذكرة أعدّها المحقق العدلي في قضية اختفاء الصدر، القاضي زاهر حمادة، وجّهها إلى الجانب الليبي ردًا على كتاب المدعي العام الليبي، الصديق الصور، الذي طالب فيه بالإفراج عن القذافي الابن، مع عرض لإبرام اتفاق تعاون بين البلدين في هذا الملف.
إلا أن القاضي حمادة شدد على أن لبنان سبق أن وقّع مذكرة تعاون قضائي مع ليبيا عام 2014، ولا حاجة لتوقيع اتفاق جديد، مذكراً بأن الالتزامات الليبية السابقة لم تُنفذ، لا سيما تسليم نسخة عن التحقيق الليبي الذي أُجري عقب سقوط نظام القذافي حول قضية الصدر.
تعهدات ليبية معلّقة منذ 2016
وأشار حمادة إلى لقاء جمع بين الطرفين في تونس عام 2016، جرى خلاله الاتفاق على تزويد لبنان بالوثائق المرتبطة بالقضية، وهو ما لم يحصل حتى الآن. كما جرى لقاء آخر في إسطنبول عام 2024 بين القاضي حسن الشامي، مقرر لجنة متابعة القضية، ووفد ليبي، تكرر فيه التعهد ذاته دون نتيجة تُذكر.
ووفق المذكرة اللبنانية، زار وفد قضائي ليبي بيروت في ربيع 2024 ووعد بتسليم الملف، لكن الجانب اللبناني لم يتلقّ حتى الآن أي مستند رسمي يوضح مصير الصدر ورفيقيه.
قضية اعتقال هنيبعل القذافي.. خلفياتها وتطوراتها
هنيبعل القذافي خُطف من سوريا على يد مجموعة مسلحة في ديسمبر 2015، ونُقل إلى منطقة البقاع اللبناني، قبل أن تتدخل الأجهزة الأمنية وتحرره، ليُحال بعد ساعات إلى القضاء اللبناني، حيث جرى توقيفه بناء على مذكرة صادرة عن القاضي حمادة، بتهمة “كتم معلومات” تتعلق بمصير الإمام الصدر.
وتُصرّ السلطات اللبنانية على أن القذافي الابن، وإن لم يكن ضالعًا بشكل مباشر في واقعة الإخفاء، إلا أنه كان يشغل منصبًا مسؤولًا خلال حكم والده، ويُعتقد أنه يمتلك معلومات أساسية حول مصير الصدر، الذي يشتبه بأنه احتُجز لسنوات في أحد السجون الليبية.
طرابلس تلوّح بالتعاون.. ولكن بشروط
من جانبها، ترى السلطات الليبية أن اعتقال هنيبعل القذافي “غير قانوني” وتعتبره “معتقلًا سياسيًا”، مشيرة إلى أنه كان في الثالثة من عمره فقط وقت اختفاء الإمام الصدر عام 1978، وبالتالي لا علاقة له بالقضية.
غير أن مصدرًا قضائيًا لبنانيًا أكد لـ”الشرق الأوسط” أن هنيبعل يُحاكم بتهمة حجب معلومات أساسية عن التحقيق، وليس بتهمة المشاركة في عملية الخطف، مشيرًا إلى أن الإفراج عنه دون تعاون ليبي جاد سيكون بمثابة “تمييع للعدالة” في واحدة من أخطر القضايا العالقة بين البلدين.
لا تسوية من دون حقيقة
رغم مرور ما يقارب نصف قرن على تغييب الإمام موسى الصدر، لا تزال القضية تتصدر العلاقات اللبنانية – الليبية، وتحول دون طيّ صفحة الماضي. وتؤكد بيروت أن أي تسوية سياسية أو قضائية لا يمكن أن تتم قبل كشف مصير الصدر ورفيقيه، وتسليم الوثائق الرسمية المتعلقة بالتحقيق.
وفيما تواصل ليبيا ضغوطها للإفراج عن هنيبعل، يبقى موقف لبنان واضحًا: الحقيقة أولاً، ثم يُبحث في مصير نجل القذافي.