في خضم تصعيد عسكري لافت تشهده العاصمة الأوكرانية كييف، كشف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن طرح روسي جديد قد يحمل مؤشرات على تحريك المياه الراكدة في مسار الأزمة الأوكرانية. وجاء هذا الطرح خلال لقاء جمع روبيو بنظيره الروسي سيرغي لافروف، على هامش اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في العاصمة الماليزية كوالالمبور.
وفي تصريحات للصحفيين عقب اللقاء، وصف روبيو المحادثة مع لافروف بـ”الصريحة”، مشيرًا إلى أن الأخير قدّم ما وصفه بـ”فكرة جديدة” تتعلق بالنزاع القائم في أوكرانيا، وأضاف: “إنها ليست مقاربة جديدة بالمعنى التقليدي، بل مفهوم مختلف قد يشكل بداية لمسار جديد. سأعرضه على الرئيس ترمب لمناقشته”.
ورغم تحفظه على كشف مضمون الاقتراح، أكد روبيو أن الفكرة لا تمثل حلاً فورياً أو ضماناً لتحقيق السلام، إلا أنها قد تفتح نافذة للحوار في ظل جمود طويل يلف المسار الدبلوماسي منذ أشهر.
لقاء كوالالمبور جاء في وقت شديد الحساسية، تزامن مع تصعيد روسي واسع النطاق على الأراضي الأوكرانية، تجلى في قصف جوي عنيف طال كييف وأدى إلى مقتل شخصين وإصابة 22 آخرين، وفق ما أفادت به أجهزة الإسعاف الأوكرانية. وقالت سلطات العاصمة إن الهجمات الروسية استهدفت ستة أحياء سكنية على الأقل، وألحقت أضرارًا بالغة بمبانٍ وسيارات ومرافق عامة، فيما احتمى العشرات في محطات المترو التي تحوّلت مؤقتًا إلى ملاجئ.
وكان سلاح الجو الأوكراني قد أعلن أن روسيا أطلقت 415 صاروخاً ومسيّرة خلال الهجوم، تم اعتراض أو فقدان 382 منها، بينما قالت كييف إنها واجهت، قبل أقل من 48 ساعة، أكبر هجوم جوي منذ اندلاع الحرب، شمل 728 مسيّرة و13 صاروخًا.
من جانبه، ندّد وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيغا بما وصفه بـ”الإرهاب الروسي”، داعيًا المجتمع الدولي إلى “عدم الوقوف مكتوفي الأيدي” وقطع التمويل عن “آلة الحرب” الروسية، بحسب تعبيره.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه أوكرانيا حالة من القلق المتزايد نتيجة شلل المسار التفاوضي، لا سيما بعد جولتين متعثرتين من المحادثات في إسطنبول، والتي رفض خلالها الكرملين تقديم أي تنازلات بشأن وقف إطلاق النار، متمسكًا بمطالب تشمل تخلي كييف عن أربع مناطق تخضع لسيطرته الجزئية، وتراجعها عن نية الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهي شروط ترفضها القيادة الأوكرانية بشكل قاطع.
وبينما تتوالى الضربات الروسية، أصدرت بعثة الأمم المتحدة لرصد حقوق الإنسان في أوكرانيا تقريرًا صادمًا كشف أن شهر يونيو الماضي شهد أعلى حصيلة للضحايا المدنيين منذ ثلاث سنوات، بتسجيل 232 قتيلًا و1343 مصابًا، في مؤشر على تصاعد الكلفة الإنسانية للحرب التي حصدت عشرات آلاف القتلى والجرحى منذ انطلاقها في فبراير/شباط 2022.
وفي ضوء هذا التصعيد، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مطلع الأسبوع الجاري، عزمه على تعزيز الدعم العسكري لكييف، مع التركيز على “الأنظمة الدفاعية”، في إشارة إلى تصعيد محتمل في حجم ونوعية الأسلحة المقدّمة. ولمّح ترمب في تصريحات لاحقة إلى إمكانية فرض عقوبات جديدة على موسكو، منتقدًا نظيره الروسي فلاديمير بوتين بسبب ما وصفه بـ”ترّهات” متكررة في خطابه بشأن أوكرانيا.
ورغم المواقف المتباينة والضغوط المتزايدة، تبدو موسكو وكييف بعيدتين عن أي توافق سياسي أو حتى تهدئة مؤقتة. وبينما تنتظر العواصم الغربية مضمون “الفكرة الروسية الجديدة”، يبقى الميدان وحده من يملي إيقاع المشهد الأوكراني، حيث لا يزال القصف سيد الموقف، والحلول السياسية رهينة التأجيل.