في خطوة أثارت جدلاً واسعاً وأعادت إلى الأذهان مشاهد النظام المعزول، عيّن رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، المحامي عبد الله درف، وزيراً للعدل، وهو أحد أعضاء هيئة الدفاع عن الرئيس المخلوع عمر البشير، وقيادي سابق في حزب «المؤتمر الوطني» الذي أطيح به بثورة شعبية في أبريل 2019.
هذا القرار – إلى جانب استمرار تمثيل الحركات المسلحة في الحكومة – دفع مراقبين إلى الحديث عن عودة تدريجية لرموز التيار الإسلامي، وطرح تساؤلات حول مستقبل المرحلة الانتقالية في السودان، وهو ما زاد من تعقيدات المشهد السياسي.
وزير عدل من النظام القديم
عبد الله درف ليس اسماً عابراً في المعادلة السياسية؛ فقد كان عضواً بارزاً في حزب «المؤتمر الوطني» خلال فترة حكم البشير، وظهر علنًا ضمن هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول وعدد من رموز نظامه خلال محاكمتهم عام 2019.
تعيينه اليوم على رأس وزارة العدالة أثار استغراباً في الأوساط الحقوقية والسياسية، واعتبره البعض “صفعة” لمطالب الثورة التي طالبت بقطع الطريق أمام عودة الإسلاميين إلى مفاصل الدولة.
كامل إدريس يُكمل نصف حكومته
منذ تكليفه في مايو الماضي، اختار كامل إدريس حتى الآن 10 وزراء من أصل 22، وكان أحدثهم دفعة من 5 وزراء، من بينهم درف.
اللافت أن الحكومة الجديدة أبقت على عدد من الوزراء السابقين، خصوصاً ممثلي الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء “القوة المشتركة”، في إشارة إلى رضوخ إدريس لمطالب تلك الفصائل المتحالفة مع الجيش.
جبريل إبراهيم باقٍ في المالية
ضمن الوزراء الذين احتفظوا بمناصبهم، جاء جبريل إبراهيم، زعيم “حركة العدل والمساواة”، الذي استمر في إدارة وزارة المالية، رغم الانتقادات الواسعة لأدائه، خاصة من القوى المدنية.
ويُعد هذا الإبقاء امتداداً لتفاهمات عسكرية – مسلحة، يرى كثيرون أنها تعرقل إعادة بناء سلطة مدنية مستقلة، وتكرّس لمعادلة “تقاسم الغنائم” بدلًا من “الانتقال الديمقراطي”.
انتقادات وتخوفات
الشارع السوداني المنقسم سياسياً لم يتأخر في التعبير عن مخاوفه، حيث اشتعلت منصات التواصل بانتقادات لاذعة للقرار، وعبّر نشطاء عن خشيتهم من أن يكون التعيين بداية “غسيل سياسي” لرموز النظام البائد تحت غطاء حكومي رسمي.
وفي المقابل، دافع مقربون من إدريس عن القرار، باعتباره “تكنوقراطياً” وليس سياسياً، وأن الأولوية الآن لـ”الكفاءة والخبرة”، وليس “الولاءات الأيديولوجية”.
ما القادم؟
تُظهر هذه التطورات أن مسار تشكيل الحكومة الانتقالية السودانية بات محفوفاً بالصفقات السياسية، وسط غياب التوافق الوطني الواسع، وتعطيل المسار المدني.
وفي ظل تعقّد المشهد، تبقى الأسئلة الكبرى بلا إجابة: هل نحن بصدد عودة تدريجية لرجال البشير؟ وهل يمكن لحكومة إدريس أن تنجح في كسب ثقة الشارع وسط هذه التنازلات؟