يشهد جنوب لبنان تصعيداً ميدانياً مثيراً للقلق، مع استمرار التوغلات البرية الإسرائيلية في مناطق حدودية، بشكل شبه يومي، خلال الأسبوع الأخير، فقد اخترقت آليات عسكرية إسرائيلية الأراضي اللبنانية في أكثر من موقع، متوغلة لمئات الأمتار داخل الحدود الدولية، في تحرك وصفه خبراء عسكريون بأنه «استراتيجية متقدمة تهدف لفرض واقع جديد على الأرض وتعديل قواعد الاشتباك».
وتُرافق هذه التوغلات تحركات جوية مكثفة، بينها غارات استهدفت أطراف مدينة النبطية ومحيطها، ما أدى إلى تصاعد سحب الدخان فوق مناطق مأهولة بالسكان، وخلق حالة من الذعر في صفوف الأهالي الذين باتوا يعيشون على وقع التهديدات اليومية.
مصادر أمنية محلية ربطت التصعيد الإسرائيلي بمساعٍ لتوسيع «المنطقة الأمنية العازلة» على الجانب اللبناني، مستفيدة من الانشغال السياسي الداخلي والشلل المؤسساتي الذي يعانيه لبنان منذ أشهر.
وتوقعت المصادر أن تستمر هذه «الاختراقات المدروسة» بهدف جس نبض الشارع اللبناني واختبار رد فعل «حزب الله».
عون يحسم الجدل: السلاح للجيش فقط
بالتزامن مع التصعيد الميداني، أطلق الرئيس اللبناني جوزيف عون مواقف لافتة خلال لقائه وفد مجلس العلاقات العربية والدولية، حيث شدد على أن «قرار الدولة اللبنانية واضح: لا سلاح خارج سلطة الجيش، ولا رجوع عن هذا القرار».
وأضاف عون: «مسألة السلم والحرب ليست بيد أي طرف داخلي، بل هي من صلاحيات مجلس الوزراء حصراً»، في إشارة غير مباشرة إلى سلاح «حزب الله» الذي لا يزال يشكل محور جدل داخلي وإقليمي.
واعتبر مراقبون أن موقف عون يأتي في سياق تثبيت مرجعية الدولة في الملفات السيادية، وسط ضغوط دولية تطالب بإعادة النظر في دور الحزب المسلح.
خوف في الجنوب من تصعيد مُبطن
في القرى الحدودية، بات السكان يعيشون تحت تهديد دائم، وسط تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي وأصوات الانفجارات المتكررة. بعض الأهالي أخلوا منازلهم القريبة من الخط الأزرق، بينما عزز الجيش اللبناني وجوده في نقاط التماس، من دون تسجيل أي ردود فعل ميدانية حتى الآن.
يقول حسين، أحد سكان بلدة العديسة: «نحن لا نعرف متى ستتطور الأمور. الدبابات تتوغل وتنسحب، والطائرات لا تفارق سماءنا. لكن الدولة غائبة، وصوتنا لا يصل». بينما تؤكد تقارير محلية أن هذه التوغلات أصبحت روتينية، ما يضع الجيش اللبناني في موقف حرج بين ضبط النفس والردع.
لبنان يرفض التطبيع.. «الموقف محسوم»
في خضم هذه التطورات، أوضح الرئيس عون أن «التطبيع مع إسرائيل غير وارد في السياسة اللبنانية الخارجية»، وهو تصريح يعكس تمسك الدولة بموقفها التقليدي من الصراع العربي – الإسرائيلي، رغم التحولات الإقليمية في هذا الملف.
ويرى محللون أن الموقف اللبناني الحاسم من مسألة التطبيع يأتي رداً استباقياً على أي محاولة لفرض أجندة دولية أو إقليمية تسعى لتقليص نفوذ «حزب الله» مقابل فتح قنوات دبلوماسية مع تل أبيب، خاصة في ظل محادثات غير مباشرة تجري حول ترسيم الحدود البحرية.
تحذيرات من «تغيير تدريجي في المشهد الحدودي»
خبراء عسكريون لبنانيون أشاروا إلى أن التوغلات الإسرائيلية تُنذر بتغيير تدريجي في المشهد الحدودي، لا سيما أن إسرائيل تعتمد سياسة «القضم البطيء» لفرض أمر واقع جديد. ويؤكد هؤلاء أن غياب الرد الفعلي حتى اللحظة لا يعني أن التوتر لن يتصاعد، بل قد يكون تمهيداً لمواجهة واسعة تُخاض بشروط مختلفة.
ويبقى المشهد جنوباً مفتوحاً على احتمالات عدة، في ظل أزمة سياسية داخلية خانقة، وغياب حكومة فاعلة، بينما تُواصل إسرائيل تحركاتها التي تحمل في طياتها رسائل ضغط واستفزاز واختبار، قد تؤدي في أي لحظة إلى انفجار الوضع مجدداً.