تتواصل لليوم العاشر جهود فرق الإطفاء في ريف اللاذقية الشمالي لإخماد حرائق غير مسبوقة، تحولت إلى كارثة إنسانية وبيئية شاملة، بعدما تخطت الحدود السورية ووصلت إلى الأراضي التركية، مهددة قرى ومناطق جديدة، وسط عجز واضح عن السيطرة رغم الجهود المحلية والدولية.
لهيب يمتد.. والنار تعبر الحدود
في مشهد نادر، عبرت ألسنة اللهب المتأججة من شمال سوريا إلى ولاية هاتاي التركية، ما دفع السلطات التركية إلى المشاركة بطواقم ومروحيات إطفاء لمحاولة محاصرة النيران.
وتم إغلاق معبر كسب الحدودي بين البلدين بعد أن وصلت النيران إلى أطرافه، لتتحول منطقة اللاذقية الحدودية إلى بؤرة ملتهبة يصعب احتواؤها.
«أبشع من الزلزال».. الشهادات تحكي الفاجعة
تقول أميمة حميدوش، عضو مجلس إدارة جمعية «موزاييك» للإغاثة، والمتواجدة في موقع الكارثة، إن الأهالي وصفوا هذه الحرائق بأنها «أبشع كارثة مرت عليهم»، مشيرة إلى أن البعض قال: «الزلزال لم يخفنا كما أخافنا مشهد النيران».
وتشير حميدوش إلى أن بعض القرى «احترقت بالكامل»، وتم إخلاء مدينة كسب التاريخية، بينما تُبذل جهود مضنية لمنع اقتراب النيران من غابات الفرنلق المعروفة بكثافتها وغناها البيئي.
ألغام ورياح.. معركة مع الطبيعة والمخلفات
مدير الدفاع المدني في اللاذقية، عبد الكافي كيال، أوضح أن تقلب الرياح وشدتها، بالإضافة إلى وجود ألغام ومخلفات حرب في المناطق المحترقة، زاد من تعقيد المهمة.
وأكد أن فرق الدفاع المدني من جميع المحافظات السورية، إلى جانب فرق مساندة من تركيا والأردن، تحاول بكل ما لديها منع اتساع رقعة النيران.
حجم الدمار: آلاف العائلات و15 ألف هكتار
بحسب تقديرات المنظمات الإغاثية، تضررت نحو 70 إلى 80 قرية ومزرعة، وتشرد ما لا يقل عن ألفي عائلة، فيما وصلت مساحة الأراضي المحترقة إلى أكثر من 15 ألف هكتار. وقد نزحت عائلات كثيرة مجددًا إلى مخيمات شمال سوريا، بعدما كانت بدأت بالعودة إلى منازلها قبل اندلاع الحرائق.
حميدوش أوضحت أن فرق الإطفاء طلبت مؤخراً تعزيزات بشرية وخراطيم مياه بعدما أُنهكت الطواقم العاملة. وبينما استجابت دول مجاورة بإرسال مساعدات، كان أبرزها الدعم القطري الأخير عبر خمس طائرات محمّلة بحوّامات وسيارات إطفاء و138 عنصراً مختصاً، يبقى حجم الكارثة أكبر من الموارد المتاحة.
ثلاث جبهات نارية رئيسية.. والخطر مستمر
فرق الدفاع المدني تعمل الآن على ثلاث جبهات رئيسية: برج زاهية، وغابات الفرنلق، ونبع المر قرب كسب، حيث تشكل كثافة الغطاء النباتي ووعورة التضاريس عوائق ضخمة أمام عمليات الإطفاء.
ويُشارك أكثر من 150 فريقاً وما يزيد عن 300 آلية في هذه العمليات، بمشاركة جوية من 16 طائرة سورية وتركية وأردنية ولبنانية.
كارثة بيئية طويلة الأمد؟
لا تقف الأضرار عند البشر فقط، إذ يتحدث خبراء البيئة عن فقدان أنظمة بيئية كاملة وتدمير موائل نادرة للحيوانات والنباتات في غابات الساحل السوري. ويُخشى أن يؤدي استمرار الحرائق إلى تدهور تربة، وانهيارات مستقبلية، وصعوبة إعادة التشجير في المدى القريب.
رغم الجهود المكثفة داخلياً وخارجياً، تبدو كارثة حرائق شمال اللاذقية واحدة من أعقد وأخطر ما واجهته سوريا في السنوات الأخيرة، ليس فقط بسبب شراستها، بل لتداعياتها الإنسانية والبيئية العابرة للحدود، في منطقة تعاني أصلاً من هشاشة البنية التحتية وندرة الموارد. وتبقى الأنظار مشدودة إلى كسب وجبال الساحل، بانتظار أن تهدأ الرياح وتترجل النيران.