مع دخول محادثات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في الدوحة أسبوعها الثاني، تتزايد المؤشرات على أن المفاوضات باتت محاصَرة بسقف منخفض من الثقة المتبادلة، وبتعقيدات ميدانية وسياسية تعكس هشاشة المسار برمّته. الاتهامات المتبادلة بين الجانبين، والتسريبات المتضاربة حول مضمون المقترحات، توحي بأن المحادثات تراوح مكانها، وأن الوصول إلى هدنة شاملة لا يزال بعيد المنال.
وفيما تصرّ إسرائيل على أنها منفتحة على “تنازلات معقولة”، تتهم حركة حماس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ”التلاعب” المتكرر في شروط الاتفاق، وبعرقلة التقدم من خلال فرض خرائط انتشار جديدة للقوات الإسرائيلية داخل القطاع، اعتبرتها الحركة “إعادة لترسيم الاحتلال بوسائل تفاوضية”، لا أكثر.
ونقلت شبكة CNN عن مسؤول رفيع في حماس تأكيده أن الحركة لا تصرّ على انسحاب كامل من غزة، بل تطالب بإعادة تموضع جزئي وفق خرائط تم التوافق عليها سابقاً في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، مع تعديلات طفيفة تأخذ في الاعتبار الظروف الميدانية. لكن، وفق تعبيره، فإن نتنياهو “ينقلب على التفاهمات ويضيف عراقيل مدروسة”، مشيراً إلى أن تصريحاته الأخيرة في واشنطن كانت موجهة للاستهلاك الإعلامي، لا أكثر.
حماس، من جانبها، تؤكد أنها أبدت مرونة في الملفات الجوهرية، من بينها قبول الإفراج عن عشرة أسرى إسرائيليين أحياء، مقابل التزامات إسرائيلية بتخفيف الحصار. غير أن تل أبيب، وفق بيان الحركة، تصرّ على إنشاء منطقة عازلة تتراوح بين كيلومترين في رفح، وواحد إلى اثنين كيلومتر في المناطق الأخرى، وهو ما تعتبره حماس “مصادرة للمساحة الجغرافية للقطاع من خلال أدوات تفاوضية”.
وبالرغم من تعثّر الجولة الحالية، فإن الجانب الإسرائيلي يصرّ على أن المحادثات “لم تنهَر”، وأن الوفد لا يزال يتفاوض عبر الوسطاء القطريين والمصريين، وبتنسيق دائم مع مكتب نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر. لكن مسؤولًا سياسيًا إسرائيليًا اتهم حماس بأنها “تعرقل المفاوضات”، وترفض “المقترح القطري” الذي يشمل وقفا لإطلاق النار لمدة 60 يوما مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى وتوسيع نطاق المساعدات.
المقترح الذي تتداوله وسائل الإعلام الإسرائيلية، يتضمن الإفراج عن ثمانية أسرى إسرائيليين في اليوم الأول، ثم اثنين بعد خمسين يومًا، إضافة إلى إعادة جثامين 18 أسيراً على مراحل، مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، وتكثيف المساعدات الإنسانية إلى غزة. وتقول صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن المقترح يشمل أيضاً تعهداً من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأن يكون “ضامناً دوليًا” لإنهاء الحرب في مراحل لاحقة، وهي نقطة لا تزال موضع جدل داخل أروقة المفاوضات.
ورغم هذه المقترحات، تتمسك حماس بجملة من المطالب الأساسية ترى أنها “الحد الأدنى” لوقف الحرب، أبرزها الانسحاب من المناطق السكنية، ورفع الحصار بشكل عملي، وضمان عدم العودة إلى استهداف المدنيين، وتوفير تدفق آمن ومستدام للمساعدات، وضمانات دولية لوقف دائم لإطلاق النار. وتشدد الحركة في بياناتها على أنها “تعمل بإيجابية” مع الوسطاء، لكنها تصطدم بتعنت إسرائيلي يستهدف، في رأيها، “شراء الوقت العسكري والسياسي”.
في الجانب الإسرائيلي، تتزايد الضغوط الداخلية من عائلات الأسرى والمنظمات الحقوقية، فيما تستمر الاتهامات لنتنياهو من المعارضة بأنه يفضل “صفقات مجتزأة” تضمن استمرار العمليات العسكرية في غزة لإرضاء تحالفه اليميني المتطرف، وليس تحقيق نتائج دبلوماسية حقيقية.
وكانت إسرائيل قد أوقفت آخر جولة ناجحة لوقف إطلاق النار في 18 مارس/ آذار الماضي، بعد أقل من شهرين على اتفاق يناير، مستأنفة هجماتها التي أدت إلى مقتل آلاف المدنيين. وتشير أرقام حديثة إلى أن نحو 196 ألف فلسطيني سقطوا بين شهيد وجريح منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023، بينهم عشرات آلاف الأطفال والنساء، إضافة إلى ما يفوق عشرة آلاف مفقود، ومئات آلاف المهجّرين وسط مجاعة خانقة، بحسب منظمات حقوقية فلسطينية ودولية.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن المفاوضات في الدوحة دخلت “نقطة اللايقين”، حيث لا انهيار رسمي حتى الآن، لكن دون تقدم فعلي، ما يضع الوساطة القطرية والمصرية في اختبار صعب، بينما يزداد الضغط الدولي لمنع انهيار إنساني شامل في القطاع، وسط مؤشرات على أن الحرب قد تدخل فصلاً جديدًا من التصعيد إذا لم تُعَد هيكلة مسار التفاوض على أسس أكثر وضوحًا والتزامًا.