يشكل اغتيال سعيد إيزدي، المسؤول الإيراني البارز في “فيلق القدس” والمعروف بدوره المحوري في دعم الفصائل الفلسطينية، تطورًا بالغ الأهمية في السياق الإقليمي المتشابك الذي تعيشه حركة “حماس”. فالرجل لم يكن مجرد قناة تمويل وتسليح، بل اعتُبر لسنوات الجسر الرئيسي الذي أعاد ترميم العلاقة بين الحركة وطهران بعد سنوات من الفتور والتوتر، خاصة في أعقاب الموقف المختلف من الحرب السورية. ومع غيابه، تُطرح تساؤلات حادة حول مستقبل “حماس” في ضوء الأزمات التي تواجهها ميدانيًا وسياسيًا، والضغوط الشعبية داخل غزة التي باتت تشكك في جدوى استمرار القتال مقابل هذا الكم الهائل من الدمار والمعاناة.
التموضع الإيراني داخل البيت الحمساوي
إيزدي لم يكن فاعلًا تقليديًا في مسار العلاقة الإيرانية-الفلسطينية، بل كان بمثابة العقل المدبر لإعادة التموضع الإيراني داخل البيت الحمساوي، وساهم في استعادة الثقة المتبادلة بين الطرفين بعد شرخ عميق سببه الانقسام بشأن الملف السوري. ومن هنا، فإن اغتياله لا يعني فقط خسارة رجل اتصالات، بل ضربة لمنظومة التنسيق الإقليمي التي كانت تؤمن الدعم اللوجستي والعسكري لحماس، وخصوصًا ذراعها العسكرية، “كتائب القسام”.
ورغم تقليل مصادر في “حماس” من أثر هذه الضربة، إلا أن الواقع يشير إلى تعقيدات جديدة أمام الحركة، خصوصًا في ظل تداخل المشهد الفلسطيني مع الحرب الإسرائيلية-الإيرانية الناشئة، وتحوّل الأراضي الفلسطينية إلى واحدة من ساحات الاشتباك بالوكالة. ومع دخول إيران بشكل أعمق في دائرة التصعيد، تفقد “حماس” شيئًا فشيئًا هامش المناورة المستقل، لتصبح جزءًا من معادلة إقليمية لا تتحكم وحدها بإيقاعها أو سقفها الزمني.
حماس تتمسك بخيار المواجهة
الانتقادات التي تواجه “حماس” داخليًا تزداد حدّة يومًا بعد يوم، حيث يعيش القطاع تحت وطأة دمار شامل، وشعبه يواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة. في هذا السياق، يبرز سؤال جوهري عن مدى منطقية استمرار القتال في ظل غياب أفق سياسي، وتلاشي الدعم العربي والدولي، وتآكل بيئة الحاضنة الشعبية التي ترى أن المشروع المقاوم دخل نفقًا مغلقًا من الألم دون نتيجة ملموسة. وفي الوقت ذاته، لا تزال القيادة الحمساوية تصرّ على التمسك بخيار المواجهة، في سياق يبدو أنه تجاوز الحسابات الفلسطينية البحتة، ليرتبط بما يخدم مصالح أطراف خارجية كإيران التي تخوض مواجهة مفتوحة مع إسرائيل على أكثر من جبهة.
هذا الواقع يفرض على “حماس” مراجعة استراتيجية أعمق، خاصة بعد استهداف شخصيات مثل إيزدي أو صالح العاروري أو محمد الضيف، وهي أسماء لم تكن مجرد قيادات تنفيذية، بل ركائز أساسية في بنية المشروع المقاوم إقليميًا. وإذا كانت الحركة تسعى فعلًا إلى البقاء كفاعل فلسطيني مركزي، فإن استمرارها في خوض معركة غير متكافئة، في توقيت يخدم خصومها الإقليميين، قد يفقدها ليس فقط التعاطف العربي والدولي، بل حتى شرعيتها في نظر جزء من شعبها الذي بات يتوق إلى حلول لا إلى شعارات.
شلل في الدعم الإيراني لحماس
قد لا يؤدي اغتيال إيزدي إلى شلل فوري في بنية الدعم الإيراني لحماس، لكنه يمثل إشارة واضحة إلى أن بنية هذا الدعم أصبحت عرضة للاستنزاف، وأن أي حسابات خاطئة قد تجرّ الحركة إلى مزيد من العزلة والتآكل، في وقت تحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى مراجعة شجاعة توازن بين المقاومة والواقعية السياسية، وبين الكفاح المشروع وكرامة الإنسان الفلسطيني التي تُسحق تحت أنقاض غزة.