اختتم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارة دولة إلى جمهورية سلوفينيا، جاءت بدعوة من رئيسة البلاد ناتاشا بيرتس موسار، في سياق دينامية دبلوماسية متسارعة تشهدها العلاقات بين الجزائر وعدد من دول وسط وشرق أوروبا. وقد حملت هذه الزيارة، التي استمرت ليومين، طابعًا سياسيًا واقتصاديًا واضحًا، في ظل جهود جزائرية متواصلة لتنويع الشراكات الاستراتيجية بعيدًا عن محاور النفوذ التقليدية.
الاستقبال الرسمي الذي خصّت به سلوفينيا الرئيس الجزائري في قصر الرئاسة بالعاصمة ليوبليانا، تلاه لقاء ثنائي مغلق مع نظيرته السلوفينية، قبل أن تتوسع المحادثات لتشمل وفدي البلدين، في نقاش ركّز على الفرص المتاحة لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة، والصناعة، والفلاحة، والتكنولوجيا، والسياحة، مع التأكيد على الطابع التكميلي للعلاقات الاقتصادية الممكنة بين الجانبين.
وشملت الزيارة أيضًا لقاءات مع كل من رئيس الوزراء السلوفيني، روبرت غولوب، ورئيسة الجمعية الوطنية، أورشكا كلاكوتشار زوبانتشيتش، في إشارة إلى رغبة متبادلة في إعطاء العلاقات الثنائية بُعدًا مؤسساتيًا مستقرًا، يقوم على الحوار الدائم بين مختلف مستويات صنع القرار في البلدين.
المسار الاقتصادي أخذ الحيز الأبرز من جدول الزيارة، حيث أشرف الرئيس الجزائري على انطلاق أشغال منتدى رجال الأعمال الجزائري-السلوفيني، بمشاركة واسعة من ممثلي القطاعين العام والخاص، إلى جانب عدد من المسؤولين والمستثمرين. وقد شكّل المنتدى محطة لتبادل الأفكار وبحث فرص التعاون المشترك، لا سيما في ظل الطفرة التي شهدتها العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة، والتي تعكس إرادة سياسية واضحة لدى الطرفين لتجاوز مستوى التمثيل الدبلوماسي التقليدي نحو شراكة اقتصادية عملية.
وفي إطار إعادة رسم خريطة تحالفاتها الاقتصادية، باتت الجزائر تميل بشكل واضح إلى استكشاف عواصم أوروبية كانت سابقًا على هامش حساباتها الجيوسياسية، رغم ما تملكه من مؤهلات اقتصادية وتقنية معتبرة. سلوفينيا، على غرار دول أخرى في أوروبا الوسطى، تمثل نموذجًا لهذا التوجه، حيث تتيح شراكة براغماتية تقوم على المصالح المشتركة، بعيدًا عن ثقل الحسابات السياسية التقليدية. هذا الانفتاح يندرج ضمن رؤية جزائرية أوسع تهدف إلى كسر النمطية في العلاقات الدولية، والاستثمار في الفرص التي كانت مهمشة سابقًا رغم واقعها الواعد.
الوفد الجزائري المرافق، الذي ضم وزراء الخارجية، الطاقة، الصناعة، الفلاحة، اقتصاد المعرفة، والسياحة، بالإضافة إلى مدير وكالة ترقية الاستثمار وعدد من رجال الأعمال، جسّد حجم الرهان الجزائري على هذه الزيارة، والتي تأتي ضمن مقاربة أوسع تهدف إلى جعل الجزائر لاعبًا اقتصاديًا نشطًا في البحر المتوسط، ومنفتحًا على فضاءات تعاون جديدة في أوروبا.
وتُعد سلوفينيا، باعتبارها دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي وذات موقع استراتيجي في قلب القارة، منصة محتملة لانطلاق المنتجات الجزائرية نحو أسواق أوروبية أوسع. كما تمثل فرصة لتطوير التعاون في مجالات التقنية والطاقة المتجددة والتصنيع الزراعي، وهي قطاعات توليها الجزائر أولوية خاصة في إطار خططها الاقتصادية الطموحة للتحول خارج نموذج الريع التقليدي.
الزيارة تأتي أيضًا في سياق إقليمي ودولي دقيق، تسعى فيه الجزائر إلى توسيع مجال علاقاتها وتحقيق توازن في شراكاتها الدولية، في وقت تتغير فيه ملامح النظام الاقتصادي العالمي وتزداد أهمية العلاقات الثنائية النوعية في ضمان تدفق الاستثمارات ونقل التكنولوجيا وتعزيز الأمن الغذائي.
في ختام الزيارة، عاد الرئيس الجزائري إلى بلاده، بعد يومين من المحادثات واللقاءات رفيعة المستوى، حملت في طياتها إشارات واضحة إلى نية البلدين المضي قدمًا في بناء تعاون متعدد الأبعاد. وإذا ما تم البناء على مخرجات هذه الزيارة، فقد تشهد العلاقات الجزائرية-السلوفينية تطورًا ملموسًا في المدى القريب، يعكس إرادة سياسية فعلية لدى الطرفين في تحويل التقارب السياسي إلى شراكة اقتصادية واقعية ومستدامة.