أعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم الاثنين، تنفيذ عملية أمنية واسعة النطاق في مدينة البوكمال وريفها بمحافظة دير الزور، أسفرت عن توقيف أكثر من 50 شخصاً يُشتبه بارتباطهم بـ«الحرس الثوري» الإيراني، وخاصة ما يُعرف بـ«الفوج 47»، في خطوة غير مسبوقة تستهدف ميليشيات لطالما تمتع نفوذها بغطاء أمني وعسكري.
وقال العقيد ضرار الشملان، قائد قوى الأمن الداخلي بالمحافظة، إن الحملة نُفذت فجر الاثنين وشملت مناطق السكرية والحمدان، مؤكداً أن المقبوض عليهم تورطوا في قضايا حيازة سلاح غير مرخص، وترويج مخدرات، واعتداءات على المواطنين، وتهديد السلم الأهلي.
تفكيك الفوج 47.. الذراع الإيرانية في الشرق
الحملة الأمنية التي وُصفت بأنها “محكمة وواسعة”، تمثل المرحلة الثانية من تحرك بدأ الأحد، ويستهدف تفكيك خلايا تنتمي للفوج 47، أحد أبرز التشكيلات المسلحة التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني في المنطقة.
وبحسب بيان الداخلية السورية، فإن عناصر من هذا الفوج رفضوا الالتزام بإجراءات التسوية والمصالحة، واحتفظوا بأسلحتهم خارج الإطار القانوني، إضافة إلى تنفيذهم هجمات على دوريات الأمن وارتكاب تجاوزات بحق الأهالي.
وأكد الشملان أن “لا تهاون مع أي جهة تسعى لفرض نفوذها خارج مؤسسات الدولة”، داعياً المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية لمواصلة تطهير المنطقة من الفلول المتورطة في زعزعة الأمن.
رسائل تطمين للسكان.. والمراكز الأمنية تفتح أبوابها
وزارة الداخلية السورية شددت في بيانها على أن أبواب مراكزها الأمنية مفتوحة على مدار الساعة لاستقبال الشكاوى والبلاغات من المواطنين، معتبرة أن الحملة تأتي في إطار “معركة الاستقرار والعدالة”، والتي لا تستثني أي طرف، سواء كان فاعلاً مباشراً أو متستراً على نشاطات الميليشيات.
وتحرص السلطات الأمنية على إظهار التعاون الشعبي كعنصر حاسم في إنجاح عملياتها، في وقت تُطرح فيه تساؤلات عن أسباب هذا التحول المفاجئ في الموقف الرسمي تجاه الميليشيات الإيرانية التي لطالما شكلت جزءاً من توازنات النفوذ في شرق البلاد.
عملية إسرائيلية متزامنة جنوباً: فيلق القدس تحت المجهر
في تطور متزامن، أعلن الجيش الإسرائيلي، صباح الاثنين، تنفيذ عملية ليلية نوعية جنوب سوريا، أسفرت عن اعتقال خلية تابعة لـ«فيلق القدس» الإيراني في منطقة تل قدنة.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن العملية استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة، مشيرة إلى أنها الثانية من نوعها خلال أسبوع، حيث تواصل تل أبيب استهداف التشكيلات الإيرانية الناشطة في سوريا، في إطار ما تسميه سياسة “المعركة بين الحروب”.
تحولات ميدانية أم رسائل سياسية؟
تطرح هذه التحركات المتزامنة – السورية والإسرائيلية – تساؤلات حول مرحلة جديدة من إعادة ترتيب النفوذ الإيراني في سوريا، لاسيما في المناطق الحدودية مع العراق والتي تشكل ممرات استراتيجية للنفوذ الإيراني باتجاه لبنان.
ويرى مراقبون أن توقيت الحملة الأمنية في البوكمال، بعد سنوات من التعايش مع الميليشيات، يحمل دلالات سياسية وأمنية، خاصة في ظل تزايد الضغط الدولي والإقليمي على تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، بالتوازي مع حراك سياسي دولي يستهدف إنهاء فوضى السلاح في شرق الفرات والبادية.
ما بعد الحملة.. اختبارات صعبة للنفوذ الإيراني
في ظل هذا المشهد، يبقى السؤال الأبرز: هل تمثل الحملة الأمنية السورية بداية قطيعة مع النفوذ الإيراني في الشرق؟ أم أنها رسالة محددة في توقيت حساس، ربما ترتبط بصفقات أمنية أو تفاهمات إقليمية غير معلنة؟
ما هو مؤكد حتى الآن، أن البوكمال لم تعد منطقة نفوذ مغلق لصالح «الحرس الثوري»، وأن الدولة السورية بدأت تُعيد رسم قواعد الاشتباك الأمني والسياسي في مناطق كانت حتى الأمس القريب خارج سيطرتها الفعلية.