في موقف جديد يحمِل بعداً سياسياً وإنسانياً، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الإثنين، أن وقف إطلاق النار في غزة ليس سوى خطوة أولى في طريق طويل نحو السلام، مشدداً على أن الحل الحقيقي يمرّ عبر تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وممارسة حقوقه الكاملة.
وجاءت تصريحات غوتيريش خلال مؤتمر صحافي عقده في نيويورك، عبّر فيه عن قلقه العميق من حجم الدمار والمعاناة الإنسانية التي تشهدها غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع في أكتوبر/تشرين الأول 2023، معتبراً أن ما يحدث “غير مسبوق في التاريخ الحديث من حيث عدد الضحايا وحجم الدمار، وانتهاك مقومات الكرامة الإنسانية الأساسية”.
“لا كرامة بلا دولة”… غوتيريش يضع العالم أمام مسؤولياته
قال غوتيريش إن ما يعانيه سكان غزة اليوم يتجاوز آثار الحرب التقليدية، ويصل إلى حدود “الإنكار الكامل للحقوق الأساسية والكرامة”، مشيراً إلى أن فكرة أن يعيش أكثر من 5 ملايين فلسطيني على أرضهم من دون حقوق، تتناقض كليًا مع المبادئ التي تأسس عليها القانون الدولي.
وأوضح أن الأمم المتحدة لا ترى في وقف إطلاق النار هدفاً نهائياً، بل “مدخلاً إلزامياً” نحو تسوية جذرية تعالج أصل النزاع وتضع حداً للدورات المتكررة من العنف، داعيًا المجتمع الدولي إلى تجاوز منطق إدارة الأزمة والانتقال نحو حل جذري وعادل.
نحو مؤتمر دولي لإنقاذ حل الدولتين
وفي خطوة تعكس رغبة الأمم المتحدة في إعادة إحياء المسار السياسي، كشف غوتيريش عن انعقاد مؤتمر دولي بشأن حل الدولتين نهاية يوليو/تموز الجاري في نيويورك، بمشاركة عدد من الدول الفاعلة والأطراف المعنية بالنزاع.
المؤتمر، وفق ما أعلن، سيضع خارطة طريق لإعادة الاعتبار لحل الدولتين على أساس قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، وسيناقش سبل وضع آليات ضامنة تحول دون تكرار الانتهاكات، وتوفر إطاراً سياسياً حقيقياً لاستعادة الثقة وبناء الدولة الفلسطينية.
الرسالة إلى العالم: لا استقرار دون عدالة
وتأتي هذه التصريحات في لحظة حرجة تشهد تصعيداً ميدانياً مستمراً في قطاع غزة، وسط تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار في الدوحة، وتزايد القلق الدولي من انهيار جهود الوساطة بسبب رفض إسرائيل التراجع عن خططها العسكرية وغياب أي التزام بخارطة طريق سياسية.
وفي هذا السياق، حمّل غوتيريش المجتمع الدولي مسؤولية ما وصفه بـ”الاختلال المزمن في العدالة الدولية”، داعياً إلى عدم الاكتفاء بإدانات لفظية، بل العمل على إعادة تفعيل المسار الدبلوماسي بصورة ملزمة تعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة.
خلفية السياق: من الإبادة إلى التدويل
وتخوض إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 حرباً مدمّرة على غزة، أسفرت حتى اللحظة عن أكثر من 196 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 10 آلاف مفقود، ومجاعة قاتلة وسط تدمير شامل للبنية التحتية.
في ظل هذه الكارثة، يزداد الضغط على الأمم المتحدة لإعادة الاعتبار للحل السياسي، في مواجهة حكومة إسرائيلية تتبنى نهجاً متطرفاً يرفض أي تنازل، مقابل حركات فلسطينية تتمسك بالمقاومة كخيار دفاعي بعد فشل جميع المبادرات السابقة.
ويُنتظر أن يكون مؤتمر يوليو نقطة اختبار جدية لإمكانية إنقاذ ما تبقى من أمل في حل الدولتين، وسط مخاوف متزايدة من أن يؤول الوضع في فلسطين إلى انهيار كامل للأفق السياسي، ويكرّس واقع الاحتلال والفصل العنصري كأمر واقع.