منذ توليه منصب الرئاسة في سوريا، أثارت أول زيارة خارجية لأحمد الشرع اهتمام المراقبين والمحللين السياسيين، خاصة وأنه اختار المملكة العربية السعودية كوجهة أولى. هذه الخطوة لم تكن عشوائية، بل تعكس اعتبارات استراتيجية وسياسية واقتصادية تعكس أولويات المرحلة المقبلة لسوريا في ظل التحديات الداخلية والإقليمية.
تمثل الزيارة المرتقبة لأحمد الشرع إلى السعودية خطوة مهمة في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصًا في الجانب الاقتصادي والتنموي، حيث تتطلع المملكة العربية السعودية إلى تعزيز حضورها في المشهد الاقتصادي السوري، الذي يشهد تنافسًا إقليميًا ودوليًا على فرص الاستثمار وإعادة الإعمار.
أولًا: إعادة التموضع الإقليمي
تعد المملكة العربية السعودية واحدة من القوى الإقليمية الكبرى التي لعبت دورًا رئيسيًا في المشهد السوري خلال السنوات الماضية، سواء من خلال دعم المعارضة في مراحل معينة أو عبر محاولات إعادة ترتيب العلاقات العربية مع دمشق في السنوات الأخيرة. زيارة أحمد الشرع إلى الرياض تحمل دلالة على رغبته في تعزيز موقع سوريا في النظام العربي وإعادة فتح قنوات التعاون مع الدول الخليجية، التي تعتبر من اللاعبين الأساسيين في قضايا المنطقة.
ثانيًا: الأهمية الاقتصادية وإعادة الإعمار
بعد سنوات من الصراع، تواجه سوريا تحديات اقتصادية هائلة تتطلب دعمًا خارجيًا لإعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد. السعودية، باعتبارها قوة اقتصادية مؤثرة، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في هذا الجانب، سواء من خلال الاستثمارات المباشرة أو عبر دعم إعادة إدماج سوريا في المنظومة الاقتصادية العربية، بما في ذلك جامعة الدول العربية ومؤسسات التمويل الإقليمية.
ثالثًا: المصالحة العربية وكسر العزلة
سوريا عانت من عزلة سياسية لسنوات بسبب الحرب والعلاقات المتوترة مع عدد من الدول العربية. خلال الفترة الأخيرة، شهدت المنطقة تحولات نحو التهدئة والمصالحة، خاصة بعد المصالحة الخليجية وتحسن العلاقات بين السعودية وإيران. اختيار الرياض كمحطة أولى يعكس رغبة دمشق في إنهاء عزلتها الدبلوماسية وفتح صفحة جديدة من العلاقات مع الدول العربية، مستفيدة من الدور السعودي في ترتيب البيت العربي.
رابعًا: التنسيق الأمني والسياسي
لا يمكن إغفال البعد الأمني والاستراتيجي في هذه الزيارة، حيث تواجه المنطقة تحديات مشتركة مثل الإرهاب، وملف اللاجئين، وتجارة المخدرات، والوجود العسكري للقوى الأجنبية. من المتوقع أن تكون هذه الملفات جزءًا من أجندة المباحثات بين القيادة السورية والسعودية، في إطار محاولة تنسيق المواقف وإيجاد حلول مشتركة لهذه القضايا الحساسة.
خطوة محسوبة نحو المستقبل
زيارة أحمد الشرع إلى السعودية كرئيس لسوريا ليست مجرد زيارة بروتوكولية، بل تعكس تحولًا استراتيجيًا في السياسة السورية، يهدف إلى إعادة دمج دمشق في المشهد الإقليمي، والاستفادة من الدعم الاقتصادي والسياسي العربي، وإعادة ترتيب العلاقات وفق مصلحة سوريا العليا. في ظل المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة، يمكن اعتبار هذه الخطوة جزءًا من مسار جديد تسعى دمشق إلى اتباعه لإعادة بناء الدولة والانخراط بفعالية في التوازنات الإقليمية والدولية.