وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الإثنين، أمرًا تنفيذيًا يقضي برفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ عام 2004، مع الإبقاء على بعض الإجراءات الاستثنائية المرتبطة بشخصيات وكيانات محددة.
وأعلن البيت الأبيض أن القرار يندرج ضمن دعم الولايات المتحدة لمسار الاستقرار والسلام في سوريا، بعد ما وصفته بـ”التحولات الإيجابية” التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الستة الماضية.
من الرياض إلى واشنطن: القرار المنتظر
وكان ترامب قد ألمح إلى هذا التوجه لأول مرة في مايو/أيار الماضي خلال قمة الرياض، حيث أعلن نيته رفع الجزء الأكبر من العقوبات المفروضة على سوريا، في حال أحرزت الحكومة السورية الجديدة تقدمًا ملموسًا في ملفات الاستقرار السياسي، ومحاربة الإرهاب، وضمان حقوق الأقليات.
واليوم، يدخل القرار حيز التنفيذ رسميًا، بإلغاء “حالة الطوارئ الوطنية” التي فُرضت عام 2004 بسبب ما اعتبرته واشنطن حينها “تهديدًا غير عادي للأمن القومي الأميركي” بفعل سياسات نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
استثناءات باقية ومجالات مفتوحة
ورغم شمول القرار معظم العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على الدولة السورية، فإنه يستثني صراحةً عدداً من الأفراد والكيانات، من بينهم بشار الأسد ومساعدوه السابقون، إضافة إلى من وُصفوا بـ”منتهكي حقوق الإنسان”، وتجار المخدرات، والأطراف المتورطة في أنشطة تسليحية محظورة أو مرتبطة بتنظيم “داعش” أو الجماعات التابعة لإيران.
ويؤكد البيت الأبيض أن هذه الاستثناءات تهدف إلى ضمان عدم عودة أي من رموز النظام السابق أو داعميه إلى المشهد، في ظل التزام واشنطن بمحاسبة من تلطخت أيديهم بانتهاكات ممنهجة خلال الحرب.
واشنطن: الحكومة السورية الجديدة تسلك طريق الإصلاح
وبحسب نص الأمر التنفيذي، فإن الإدارة الأميركية تُقر بأن “الظروف التي أدت إلى فرض العقوبات سابقاً قد تغيّرت بصورة جوهرية”، مشيرة إلى أن التطورات الأخيرة في سوريا، وعلى رأسها وصول حكومة جديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع، عكست “استعدادًا سياسيًا حقيقيًا لفتح صفحة جديدة داخليًا وخارجيًا”.
وتشير واشنطن إلى أن الحكومة الحالية أظهرت التزامًا بمحاربة التنظيمات المتطرفة، وتعزيز التعددية السياسية، وضمان حماية الأقليات، فضلاً عن سعيها لإعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية ومكافحة الفساد، ما جعل رفع العقوبات مبررًا في هذه المرحلة.
تحوّل استراتيجي أم اختبار سياسي؟
قرار رفع العقوبات، رغم ترحيب أطراف إقليمية به، يُنظر إليه من قبل مراقبين كاختبار مزدوج: من جهة، هو فرصة أمام الحكومة السورية الجديدة لإثبات جديتها في السير نحو التحول السلمي والمؤسساتي، ومن جهة أخرى، هو اختبار للمؤسسة الأميركية ذاتها التي اختارت القفز على عقود من العداء مع دمشق، مقابل استقرار مشروط.
ويرى محللون أن واشنطن تحاول إعادة صياغة حضورها في المنطقة عبر بوابة سوريا، التي أصبحت في قلب التوازنات الإقليمية والدولية بعد أكثر من عقدين من الصراع، وخاصة في ظل تراجع النفوذ الإيراني، وتعاظم الانخراط الروسي، وعودة الزخم العربي إلى الملف السوري.
نحو “سوريا جديدة”؟
في تعليقه على القرار، شدد البيت الأبيض على التزام الولايات المتحدة بدعم “سوريا موحدة، آمنة، لا تشكّل بيئة حاضنة للإرهاب، وتضمن أمن وحقوق كافة مكوناتها الدينية والعرقية”، معتبرًا أن استقرار سوريا يصب في مصلحة الأمن الإقليمي والعالمي.
لكن ورغم رفع القيود، فإن مسار إعادة الاندماج السوري في الاقتصاد العالمي يبقى مرهونًا بمدى قدرة السلطة الجديدة في دمشق على الحفاظ على المكتسبات السياسية والأمنية، وتجنّب الوقوع في أخطاء الماضي.