سياسة هدم المنازل التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية ليست مجرد إجراء قانوني يتعلق بالبناء دون ترخيص، بل أداة استراتيجية ممنهجة تهدف إلى التضييق على الفلسطينيين، وفرض واقع ديموغرافي جديد يخدم أهداف التهويد والسيطرة الكاملة على الأرض.
مشروع استيطاني طويل الأمد
حادثة إجبار المواطن خليل أبو ميالة على هدم بنايته في مخيم شعفاط، والتي كانت تضم خمس شقق قيد الإنشاء، تمثل واحدة من آلاف الحالات التي يكمن خلفها مشروع استيطاني طويل الأمد يستخدم “القانون” كسلاح ضد السكان الأصليين.
الاحتلال يسن قوانين وتعليمات تنظيمية في القدس الشرقية وأجزاء من الضفة تخدم فقط مصالح المستوطنين وتُقيّد البناء الفلسطيني إلى حد شبه مستحيل. الحصول على ترخيص بناء للفلسطيني في القدس أو المناطق المصنفة “ج” يتطلب إجراءات شبه تعجيزية، وتكاليف باهظة، وتدخلات قانونية طويلة لا تنتهي غالبًا بالموافقة. ونتيجة لذلك، يُضطر السكان للبناء بدون تراخيص حفاظًا على حقهم في السكن، ليجدوا أنفسهم لاحقًا في مواجهة أوامر بالهدم إما من البلدية أو من الإدارة المدنية التابعة للاحتلال.
إجبار الفلسطينيين على هدم منازلهم
ما يزيد من فداحة الأمر أن سلطات الاحتلال كثيرًا ما تُجبر الفلسطينيين على هدم منازلهم بأيديهم، كما حدث في حالة أبو ميالة، تحت التهديد بدفع غرامات مالية باهظة في حال نفذت طواقم البلدية عملية الهدم. هذه السياسة لا تحمل فقط أبعادًا مادية مدمّرة، بل تسعى إلى كسر نفسية السكان وإيصال رسالة أن لا أمل في الاستقرار أو التملك أو البقاء في المدينة.
هذه الإجراءات تتعارض بشكل صارخ مع القانون الدولي، الذي يعتبر القدس الشرقية والضفة الغربية أراضٍ محتلة، ويمنع القوة القائمة بالاحتلال من تغيير معالم الأرض أو فرض قوانينها عليها. كما تنص اتفاقية جنيف الرابعة على حماية المدنيين في وقت الحرب، ومنع التهجير القسري أو العقوبات الجماعية، والتي يُعد هدم المنازل أحد أشكالها.
لكن أمام الصمت الدولي والانحياز الغربي المتكرر، استطاع الاحتلال أن يخلق غطاءً قانونيًا زائفًا لهذه الانتهاكات، عبر مصطلحات مثل “تنظيم البناء” و”مكافحة العشوائيات”، في حين أن الواقع يظهر تمييزًا منهجيًا واضحًا، حيث تُمنح التراخيص للمستوطنين بسرعة، وتُبنى وحدات استيطانية كاملة في مناطق يمنع فيها الفلسطينيون من حتى ترميم منازلهم.
تغيير التركيبة السكانية
خطر هذا المسار لا يتوقف عند حدود المعاناة الفردية، بل يمتد إلى تغيير التركيبة السكانية في القدس تحديدًا، حيث تسعى إسرائيل إلى تقليص نسبة الفلسطينيين في المدينة إلى أقل من 30% من خلال سياسات الطرد الناعم، وفي بعض الحالات عبر التهجير القسري المباشر.
هدم المنازل ليس قضية قانونية بل مشروع سياسي لإضعاف الوجود الفلسطيني على أرضه، وتحويله إلى مجتمع هش، بلا بنية سكانية مستقرة ولا أفق للتوسع أو النمو. هذا الواقع، ما لم تتم مواجهته بضغط سياسي وحقوقي فعّال، سيستمر في تفريغ القدس والضفة من سكانها الأصليين، لصالح مشروع استيطاني لا يعترف بالقانون، ولا بالعدالة.