تواجه حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية، كغيرها من الفصائل المسلحة في قطاع غزة، أزمة مالية خانقة تتفاقم يوماً بعد يوم بفعل التطورات الإقليمية، وفي مقدمتها الحرب المشتعلة بين إيران وإسرائيل. وبينما تمثل طهران الراعي المالي والعسكري الأهم للحركة، فإن الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي طالت البنية التحتية الإيرانية، والمخاوف من انخراط أوسع لطهران في حرب طويلة، انعكست مباشرة على تدفق الأموال، وعلى قدرة «الجهاد الإسلامي» على تسيير شؤونها التنظيمية والعسكرية.
انهيار محتمل لقدرات الحركة المالية
تؤكد مصادر في الحركة أن صرف الرواتب لمقاتليها بات يتم بشق الأنفس، وبتأخير يتجاوز أحياناً ثلاثة أشهر، مع تراجع نسبة المبالغ المصروفة إلى أقل من النصف مقارنة بما كانت عليه سابقاً. هذا التراجع لم يقتصر على غزة، بل امتد إلى سوريا، حيث فقدت الحركة القدرة على تمويل نشاطاتها أو حتى دفع نفقات بسيطة كإقامة بيوت عزاء لعناصرها الذين قتلوا على جبهة الجنوب اللبناني، فضلاً عن التضييق المتزايد الذي تمارسه الحكومة السورية، والذي أدى إلى اعتقال عدد من قادة الحركة وتقييد حركتها اللوجستية والمالية في البلاد.
ورغم ما يلوح في الأفق من مؤشرات على انهيار محتمل لقدرات الحركة المالية، فإن الجهاد الإسلامي لم تُظهر أي بوادر على التراجع عن خيار القتال أو حتى إعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة. ويبدو أن هذا الإصرار لا يعكس فقط عقيدة أيديولوجية راسخة داخل بنية الحركة، بل أيضاً فهمها الخاص لدور “المقاومة المسلحة” كوسيلة وحيدة للبقاء السياسي والرمزي، في ظل تغييب الحلول السياسية، وتآكل الثقة بالمسارات الدبلوماسية، ومحدودية الخيارات أمام الشارع الفلسطيني المحاصر والمجوع والمقهور.
صعوبات لوجستية وأمنية
يأتي ذلك أيضاً في سياق أوسع، ترى فيه الحركة أن التراجع أو إعلان التهدئة، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع، يعني عملياً انهيار هيبتها أمام جمهورها الداخلي، وانهيار مكانتها ضمن محور المقاومة الممتد من غزة إلى طهران. إن الخسائر البشرية الفادحة في صفوف المدنيين لم تعد عائقاً أمام هذا النهج، بل تُوظف أحياناً في الخطاب الداخلي والخارجي كدليل على “ثمن الحرية” و”بطش العدو”، ما يعزز رواية المقاومة كخيار أخلاقي لا تراجع عنه، حتى في أحلك الظروف.
وربما الأهم من ذلك، أن الضائقة المالية التي تعاني منها «الجهاد الإسلامي» لم تصل بعد إلى مستوى الانهيار الكلي. فالحركة تحتفظ ببعض القنوات المالية المحدودة في الداخل والخارج، ولكنها تواجه صعوبات لوجستية وأمنية في تحريك تلك الأموال. ويُتوقع أن تعتمد الحركة على شبكات تحويل موازية، وعلى إعادة تنظيم أولوياتها الإنفاقية، لتجاوز هذه المرحلة بأقل الخسائر التنظيمية الممكنة.
حصار خانق وكارثة إنسانية
لا يبدو أن أزمة التمويل ستدفع «الجهاد الإسلامي» إلى وقف القتال أو مراجعة موقفها. بل على العكس، قد يؤدي استمرار هذه الأزمة إلى دفع الحركة نحو مزيد من التورط في المواجهات، بحثاً عن استثمار “الدم” في استدرار الدعم الشعبي أو جذب تمويلات جديدة من الجهات التي ترى في استمرار المواجهة ضرورة إستراتيجية في معركتها الإقليمية ضد إسرائيل.
وبذلك، يتحول القتال من غاية إلى وسيلة للبقاء، حتى لو كان الثمن هو المزيد من الضحايا في صفوف المدنيين، والمزيد من الدمار في غزة التي تعاني أصلاً من حصار خانق وكارثة إنسانية متواصلة.