يشكّل البيان الصادر عن رؤساء الكنائس في فلسطين بشأن الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها قرية الطيبة في الضفة الغربية تحذيرًا جديًا من تصاعد الاعتداءات بحق التجمعات المسيحية في الأراضي الفلسطينية، ويكشف عن تنامي شعور الإحباط وعدم الثقة إزاء سلوك السلطات الإسرائيلية، التي لا تبدي أي استجابة ملموسة لمطالب السكان بتوفير الحماية من هجمات المستوطنين.
تصاعد عنف المستوطنين
الطيبة، وهي من القرى الفلسطينية القليلة ذات الأغلبية المسيحية، أصبحت في السنوات الأخيرة عرضة لسلسلة من الاعتداءات التي ينفذها مستوطنون إسرائيليون، وسط تصاعد عنف المستوطنين في مختلف مناطق الضفة الغربية. هذه الاعتداءات لا تقتصر على الجانب الجسدي فقط، بل تتعداه إلى محاولات مبرمجة لتفريغ القرى المسيحية من سكانها، في إطار أوسع من محاولات تغيير الطابع السكاني والديموغرافي للمنطقة.
بيان رؤساء الكنائس، الذي حمل نبرة غضب واستياء غير مسبوقة، يضع السلطات الإسرائيلية في دائرة الاتهام المباشر، سواء بسبب التخاذل الأمني أو التواطؤ الصامت، خاصة في ظل توثيق العديد من الحالات التي لم يُفتح فيها أي تحقيق جدي، أو لم تُقدّم فيها لائحة اتهام ضد المستوطنين المعتدين. وهو ما يعزز مناخ الإفلات من العقاب الذي يهيمن على الضفة الغربية منذ سنوات، ويضع السكان الفلسطينيين، بمختلف دياناتهم، في مواجهة دائمة مع تهديدات أمنية غير محصّنة.
حماية الأقليات الدينية
كما أشار البيان بشكل لافت إلى “غياب الموقف الأمريكي الملموس”، وهو انتقاد نادر يصدر من مؤسسات دينية بهذا الوضوح، خاصة في ظل العلاقات التقليدية التي تجمع بعض الكنائس بالدوائر السياسية الغربية. الانتقاد الموجّه لواشنطن يعكس إحباطًا متزايدًا من صمت المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي عادة ما تعلن التزامها بحماية الأقليات الدينية، لكنها تغضّ الطرف عن الانتهاكات التي تطال المجتمع المسيحي الفلسطيني.
الدعوة التي وجّهها رؤساء الكنائس للمجتمع الدولي بالتدخل لحماية المدنيين في الضفة الغربية تنسجم مع التحذيرات المتكررة التي تصدر عن منظمات حقوقية دولية حول تصاعد عنف المستوطنين، لكنها تكتسب في هذا السياق دلالة خاصة لكونها صادرة عن جهة دينية لها وزن رمزي وإنساني كبير، وتعبّر عن أزمة لا تخص فقط الطيبة بل تمتد لتشمل مجمل الحضور المسيحي في فلسطين التاريخية، الذي يواجه تهديدات متزايدة.
إضعاف النسيج المجتمعي الفلسطيني
الموقف الذي أبداه رؤساء الكنائس يسلط الضوء أيضًا على البعد السياسي والديني للصراع في الضفة الغربية، إذ لا يمكن فصل الاعتداءات على سكان الطيبة عن السياق العام لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، التي تتغذى على أيديولوجيات ترى في الوجود الفلسطيني – بما فيه المسيحي – عائقًا أمام تحقيق مشروع “يهودية الدولة”. ويأتي هذا التصعيد في وقت تتزايد فيه مؤشرات على أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تضم وزراء من اليمين المتطرف، توفر الغطاء السياسي لعنف المستوطنين، وتعمل على تحصينهم من المساءلة.
تجاهل المجتمع الدولي لنداءات الحماية الصادرة عن الكنائس الفلسطينية، والسكوت المتواصل عن الاعتداءات التي تطال قرية الطيبة، لا يؤدي فقط إلى إضعاف النسيج المجتمعي الفلسطيني، بل يهدد الإرث التاريخي للوجود المسيحي في الأرض المقدسة، ويطرح تساؤلات خطيرة حول التزام الأطراف الدولية بمبادئ حقوق الإنسان حين تكون تلك الحقوق تخص شعبًا محتلًا، يطالب فقط بحقه في الحياة والكرامة.