في ظل تصاعد التوتر في الشرق الأوسط عقب الضربات الإسرائيلية الأخيرة على العمق الإيراني، ألغى وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، زيارته التي كانت مقررة إلى سوريا، ضمن جولة دبلوماسية إقليمية، بسبب ما وصفته مصادر دبلوماسية بـ”الظروف الأمنية المستجدة”. وجاء هذا القرار في أعقاب التطورات المتسارعة التي شهدتها طهران مؤخرًا، والتي أدت إلى ردود فعل إقليمية سريعة، شملت إغلاق عدد من المجالات الجوية وتقييد حركة الطيران المدني والعسكري في أكثر من دولة.
التصعيد بين إيران وإسرائيل، خصوصًا بعد استهداف منشآت عسكرية ونووية إيرانية بطائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة، دفع دولاً عدة إلى إعادة النظر في بروتوكولات الأمن الجوي، وهو ما انعكس مباشرة على جداول التحرك الدبلوماسي لمسؤولين أوروبيين كانوا ينوون إجراء زيارات إلى المنطقة.
إلغاء زيارات إلى دول المواجهة
القرار الألماني لم يقتصر على سوريا، بل شمل أيضاً لبنان والأردن وإسرائيل، بحسب ما نقلته إذاعة “صوت ألمانيا” الرسمية، في خطوة تعكس مدى الحذر الذي تتبناه الدبلوماسية الأوروبية في الوقت الراهن، خشية انزلاق الأوضاع نحو صراع أوسع.
وتبرز هذه الإلغاءات كمؤشر واضح على أن العواصم الأوروبية لم تعد تنظر إلى التصعيد الإيراني–الإسرائيلي باعتباره مجرد أزمة إقليمية محدودة، بل بوصفه متغيرًا استراتيجيًا قد يعيد رسم خرائط التوازنات الأمنية في المنطقة، بما في ذلك مسارات عمل بعثاتها السياسية والدبلوماسية.
الرياض كمحطة آمنة للمشاورات
في المقابل، نفّذ وزير الخارجية الألماني زيارة إلى المملكة العربية السعودية، اعتُبرت بمثابة المحطة الأكثر أمانًا في خريطة جولته المؤجلة. وقد التقى فاديفول نظيره السعودي فيصل بن فرحان في الرياض، حيث تناولت المباحثات تطورات الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، إضافة إلى الملف الإنساني المعقد في قطاع غزة.
اللقاء جاء في لحظة حرجة، حيث تسعى برلين إلى تأكيد حضورها السياسي في أزمات الشرق الأوسط، دون الانزلاق إلى مواقف قد تُفسر كانحياز لطرف دون آخر. وبحسب مصادر دبلوماسية ألمانية، فإن الزيارة إلى الرياض تهدف إلى التشاور مع دولة تعتبر ذات وزن متوازن في الإقليم، ويمكن الاعتماد عليها لتهدئة التوترات، أو على الأقل المساهمة في إدارة تداعياتها.
دبلوماسية حذرة في ظل غيوم الحرب
تعكس التحركات الألمانية الأخيرة طبيعة التوازنات الدقيقة التي تسعى العواصم الأوروبية للحفاظ عليها، وسط صراع بات يتخذ أبعادًا متعددة، تشمل الجوانب العسكرية والأمنية والسياسية والإنسانية. فبرلين، التي تحتفظ بعلاقات مع تل أبيب وطهران في آنٍ معًا، تجد نفسها اليوم أمام معضلة صعبة: كيف تضمن استمرار انخراطها الدبلوماسي في ملفات المنطقة، دون أن تتحول إلى طرف في معادلة المواجهة المفتوحة.
وبينما توجّهت الأنظار إلى التحركات العسكرية في الأجواء، فإن التحركات الدبلوماسية، أو غيابها، أضحت بدورها مؤشرًا لا يقل أهمية على عمق الأزمة وخطورتها.