تُبرز قرارات الحكومة الفلسطينية الأخيرة جهدًا واضحًا لتنسيق الاستجابة الوطنية في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي واشتداد التحديات الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية. تعكس مداولات مجلس الوزراء خلال جلسته الأسبوعية نهجًا متعدد الأبعاد يسعى لتخفيف الأعباء عن المواطنين، سواء عبر بوابة الدعم المالي المباشر أو من خلال تحفيز التنمية واستدامة الخدمات الحيوية، في توازن دقيق بين الاستجابة الفورية والتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد.
توفير التمويل اللازم للخزينة الفلسطينية
على المستوى السياسي والإنساني، أشار المجلس إلى أهمية أن تُترجم جهود وقف إطلاق النار الإقليمي إلى مكاسب ملموسة على الأرض، خصوصًا في قطاع غزة، حيث تُعد كرامة الإنسان وأمنه الغذائي من القضايا المركزية. وقد جدد رئيس الوزراء تأكيده على أن وقف الحرب يجب أن يقترن بإدخال منظم وآمن للمساعدات، بعيدًا عن الفوضى والانتهاكات التي باتت ترافق توزيع الإغاثة، في تلميح إلى الانتقادات المتصاعدة لجهات تعمل خارج الإطار الإنساني التقليدي.
اقتصاديًا، أظهر المجلس تحركًا على أربعة مسارات متوازية لتوفير التمويل اللازم للخزينة الفلسطينية، أبرزها تفعيل برنامج الدعم الأوروبي، والانفتاح على الدول العربية لإحياء برامج المساعدات، والسعي للإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة لدى الاحتلال، إلى جانب خطة لترشيد الإنفاق الداخلي. هذا الربط بين الدعم الخارجي والتحسين المؤسسي الداخلي يعكس رغبة في تقليل الاعتماد على المانحين دون التخلي عن دورهم الحيوي في هذه المرحلة.
إقرار الخطة الاستراتيجية
الجانب التنموي كان أيضًا محوريًا في الجلسة، مع التطرق إلى التقدم الحاصل في البرنامج الوطني للتنمية، والذي يشمل مشاريع نوعية في الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة والحماية الاجتماعية، تم تقديمها لعدد من المانحين، لا سيما السعودية. هذه المشاريع تحمل طابعًا استراتيجيًا وتهدف لإرساء بنية تحتية مستقبلية تساهم في التخفيف من البطالة وتعزيز الاكتفاء الذاتي.
قطاع الطاقة حاز على اهتمام خاص، من خلال إقرار الخطة الاستراتيجية لسلطة الطاقة للأعوام 2025-2027، والتي ترتكز على تنويع مصادر الإنتاج والاعتماد على الطاقة النظيفة، في إطار تحقيق أمن الطاقة وخفض فاتورة الاستيراد. أما في قطاع المحروقات، فقد نوقشت خطة إنشاء مستودعات بترول جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص، لتأمين مخزون احتياطي موزّع جغرافياً، في خطوة تهدف لرفع الجاهزية في حالات الأزمات.
أما في مجال الخدمات العامة، فقد اتخذ المجلس خطوات عملية لمعالجة ملف “صافي الإقراض”، أحد أكثر الملفات استنزافًا للموارد، من خلال تسوية مالية مع سلطة المياه والمجاري في بيت لحم ومحيطها، بما يضمن عدالة التوزيع وتحمل الحكومة لمسؤولياتها تجاه سكان المخيمات.
تخفيف تبعيات الحصار والعدوان
في الإطار الاستثماري، نسّب مجلس الوزراء إلى الرئيس إقرار قانون جديد لتشجيع الاستثمار، يُتوقع أن يسهم في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، ويخلق فرصًا في قطاعات تعتبر مفتاحًا للتنمية، كالصناعة والزراعة والتكنولوجيا والطاقة والسياحة. هذه الخطوة تأتي في توقيت مهم لتعزيز الثقة بالاقتصاد الفلسطيني رغم الأوضاع السياسية المضطربة.
تظهر قرارات الحكومة الفلسطينية توجّهًا واضحًا نحو إدارة الأزمة برؤية مزدوجة: الاستجابة للضغوط الراهنة من جهة، وبناء الأرضية المؤسسية والتنموية لما بعد الحرب من جهة أخرى، في محاولة للحد من تبعيات الحصار والعدوان، وتحقيق قدر من الكرامة والمرونة الاقتصادية والاجتماعية للمواطن الفلسطيني.