في أحد أركان مخيم الإيواء في حي الشيخ رضوان، تجلس سارة البرش، طفلة في العاشرة من عمرها، تحمل على وجهها الصغير ملامح أكبر من عمرها بكثير. ملامح لا تخطئها العين، تروي مأساة خُطّت فصولها تحت القصف والدخان، وداخل منزل كان يفترض أن يكون مأمنًا لها، فصار قبرًا لوالدها ومصدرًا لفقدانها أهم ما تملك: ذراعيها.
مأساة سارة
سارة لم تعد قادرة على معانقة أمها، ولا على اللعب كما كانت تفعل من قبل، ولا حتى على الإمساك بقلم لتكتب اسمها. القصف الذي طال منزل عائلتها لم يترك فقط خرابًا في الجدران، بل خلّف ندوبًا غائرة في جسدها وروحها. حاولت أن تتعلّم استخدام قدميها للقيام بأبسط الأمور: تناول الطعام، الرسم، وحتى الإمساك بفرشاة أسنان، لكنها كثيرًا ما تفشل، أو تسقط، أو تبكي بصمت.
لكن سارة لا تبكي فقط بسبب الألم الجسدي، بل من الإحساس بالعجز والانتظار الطويل. تنتظر أن يُفتح المعبر، أن يوافق أحدهم على إدخالها للعلاج، أن تحصل على أطراف صناعية تعيد لها بعضًا من حريتها المسلوبة. إلا أن الحرب، بأسلاكها الشائكة وجدرانها الإسمنتية، تمنعها من الوصول إلى ما تحتاجه لتعيش حياة تشبه الطفولة ولو قليلًا.
شهادة حية
والدتها تراقبها بعينين مليئتين بالخوف والرجاء. تحاول أن تخفف عنها، أن تزرع أملًا في يومها رغم قسوة الليل، لكنها هي الأخرى مرهقة، تواجه وجع الفقد وقلق المجهول. لا بيت لتعودا إليه، ولا سرير خاص لسارة، ولا خصوصية، ولا رعاية طبية متخصصة في المخيم.
سارة ليست مجرد طفلة أصيبت في حرب، إنها وجه من وجوه المأساة الغزية التي طالت المدنيين، وهشّمت حياة آلاف الأطفال الذين كان يفترض أن يحملوا كتبهم لا جراحهم. قصتها تصرخ في وجه العالم: بأن الحروب لا تقتل فقط من يرحلون، بل تواصل قتل من يُتركون خلفها بلا أطراف، بلا أب، وبلا أمل.
في عالم أكثر عدلًا، كانت سارة ستلعب اليوم في ساحة مدرستها، تمسك دميتها بيديها، وتضحك ببراءة. أما في غزة، فقد أصبحت قصتها شهادة حية على أن الطفولة تحت الاحتلال لا تعرف اللعب، بل تعرف الألم فقط.