في بروكسل، اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على وقع دمار غير مسبوق في قطاع غزة ونداءات متكررة من منظمات حقوق الإنسان لتحرك دولي جاد. لكن، وكما في كل محطة حاسمة منذ اندلاع الحرب، خرجت القمة الأوروبية هذه المرة أيضًا بلا قرارات ملزمة، مكتفية بنقاش “خيارات محتملة” لمعاقبة إسرائيل على انتهاكها الصارخ للمادة الثانية من اتفاق الشراكة، المتعلقة بحقوق الإنسان.
تقرير أوروبي واضح… ورد فعل غائم
التقرير الذي قدّمته المفوضية الأوروبية للدول الأعضاء أشار صراحة إلى أن إسرائيل لم تحترم التزاماتها الحقوقية، ما يتيح قانونيًا تفعيل إجراءات عقابية تشمل تعليق جزء من الاتفاق التجاري معها أو فرض قيود على صادرات من المستوطنات غير الشرعية. لكن هذا التقييم لم يتحوّل إلى سياسة، وسط انقسام حاد بين دول تعتبر أي إجراء ضد إسرائيل مساسًا بـ”حقها في الدفاع عن نفسها”، ودول تطالب بتدخل أكثر حزماً لوقف ما تصفه بـ”الإبادة” في غزة.
فرنسا وإسبانيا تضغطان… وألمانيا تفرمل
برزت باريس كمحرك لمواقف أكثر صرامة، إذ دعا وزير خارجيتها جان نويل بارو إلى فرض عقوبات على المستوطنين المتطرفين ووقف الدعم غير المباشر للاستيطان، محذرًا من كارثية مشروع E11 الذي سيقطع الضفة الغربية. إسبانيا ذهبت أبعد، في توصيف ما يجري بأنه “جرائم ضد الإنسانية”.
لكن على الجانب الآخر، بقيت ألمانيا وبعض دول شرق أوروبا متمسكة بعدم المساس بالعلاقة مع إسرائيل، معتبرة أن أي إجراء قد يقوّض “دور الوساطة” الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي، وهو موقف يُفرغ الأدوات السياسية الأوروبية من مضمونها.
اتفاق المساعدات: محاولة لتجنب الإحراج لا أكثر
في مواجهة الانتقادات، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس عن اتفاق “تحسين الوصول الإنساني إلى غزة”، يتضمن زيادة عدد الشاحنات وفتح معابر وتزويد المنظمات الإنسانية بالوقود. لكن المفوضة الأوروبية لحالات الطوارئ، حاجة لحبيب، اعترفت بأن الاتفاق لم يُنفذ بشكل كاف، وأن عدد الشاحنات الداخل فعليًا غير واضح.
الاتفاق بدا، في أفضل تفسير، محاولة سياسية لامتصاص الضغوط دون الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. ومع ذلك، تؤكد الأمم المتحدة أن معدلات القتل والمجاعة ما زالت في تصاعد، وأن الشركاء الأوروبيين في الميدان لا يلمسون تحسنًا ملموسًا.
ماذا يعني التردد الأوروبي؟
تراخي الاتحاد الأوروبي في تفعيل أي من الإجراءات المقترحة يعكس أزمة مزدوجة: أولاً، فقدان القدرة على تحويل المبادئ الحقوقية إلى قرارات تنفيذية، وثانيًا، الانكشاف السياسي أمام الرأي العام الأوروبي، الذي بدأت شرائح منه تتململ من العجز المزمن أمام صور الموت الجماعي في غزة.
الاتحاد الذي طالما تفاخر بـ”دبلوماسيته الوقائية” و”قوة القانون” يجد نفسه اليوم في مأزق أخلاقي يهدد مصداقيته الدولية. إذ كيف يمكن أن يُبقي على اتفاق شراكة مع دولة أُدينت مؤسساتيًا بانتهاك حقوق الإنسان، دون اتخاذ أي إجراء ردعي؟
ضوء أخضر للاستمرار
قرار عدم اتخاذ قرار في بروكسل قد يُفسَّر في تل أبيب كضوء أخضر للاستمرار، وفي غزة كخذلان متجدد. فبينما يتحدث الأوروبيون عن “التريث” و”التقييم”، تُدفن جثث الأطفال في مقابر جماعية وتفترش العائلات الرماد بدل الطعام.
إنها لحظة كاشفة: الاتحاد الأوروبي إما أن يكون لاعبًا دوليًا بثقل سياسي وقيمي، أو أن يكتفي بدور الراصد الصامت – في وقت لا يحتمل الصمت.