تنطلق اليوم الأحد في العاصمة القطرية الدوحة جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة بين الأطراف المعنية بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وسط أجواء توصف بأنها الأكثر جدية منذ بدء المساعي الدولية الرامية إلى إنهاء الحرب المتواصلة منذ أشهر.
وتأتي هذه المفاوضات في لحظة سياسية حساسة، إذ تسبق اجتماعًا مرتقبًا بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، مقرر عقده مساء غد الاثنين في واشنطن. وتؤكد مصادر مطلعة على مجريات التفاوض أن الإدارة الأميركية تضغط بشكل غير مسبوق من أجل إبرام اتفاق شامل قبل هذا اللقاء، بما يعكس تقدمًا ملموسًا في المسار السياسي ويعزز أوراق واشنطن في المنطقة.
الأطراف تصل إلى الدوحة وأجواء من الانفتاح الحذر
وبحسب المعلومات المتاحة، فإن الوفد الأمني المصري وصل إلى الدوحة أمس السبت، للمشاركة في اجتماعات تشمل ممثلين عن الولايات المتحدة وقطر وإسرائيل، إضافة إلى ممثلين غير مباشرين عن حركة حماس. وتُعد مشاركة هذا الطيف الواسع من الأطراف مؤشرًا على مستوى الجدية الذي يحيط بالمحادثات، في ظل ما يُوصف بالتقارب النسبي في وجهات النظر حول بعض البنود الجوهرية.
المفاوضون الإسرائيليون بدورهم وصلوا اليوم إلى الدوحة، لعقد جولة من المباحثات غير المباشرة مع حماس، تركز على النقاط العالقة المتعلقة بوقف إطلاق النار طويل الأمد، وصفقة تبادل المحتجزين والأسرى، إلى جانب الترتيبات الإنسانية والإغاثية اللازمة لقطاع غزة.
وتشير التقديرات إلى أن الأطراف قد تُلزم نفسها بسقف زمني ضيق للرد على المقترحات المطروحة، بما يعزز فرص التوصل إلى اتفاق خلال الأسبوع الحالي. ووفقًا للمصادر، فإن الخطة المتفق عليها تقضي بعقد الاجتماعات التقنية والسياسية في الدوحة، على أن يُنقل التوقيع النهائي إلى القاهرة إذا ما تم حسم جميع القضايا الخلافية.
ضغط أميركي لفرض جدول زمني قبل القمة
ويبدو أن عامل الوقت أصبح حاسمًا في هذا السياق، إذ تسعى واشنطن إلى تسجيل اختراق دبلوماسي قبل قمة ترامب-نتنياهو، باعتباره إنجازًا استراتيجيًا يمكن استثماره سياسيًا في الداخل الأميركي وفي خريطة النفوذ الإقليمي. ويُفهم من طبيعة الدفع الأميركي أن الإدارة الحالية تسعى إلى فرض جدول زمني محدد لإجبار الأطراف على التنازل عن بعض المواقف المتشددة.
وتعكس اللهجة الأميركية خلال الأيام الماضية رغبة صريحة في إنهاء حالة الجمود، انطلاقًا من قناعة بأن استمرار الوضع الراهن لن يخدم سوى المزيد من التصعيد والتدهور الإنساني في غزة، وهو ما يتناقض مع المصالح الغربية في استقرار المنطقة.
مؤشرات إيجابية… ولكن لا ضمانات
ورغم ما يُسجل من أجواء إيجابية عامة، إلا أن التجارب السابقة تحتم الحذر. فقد شهدت جولات سابقة وعودًا مماثلة دون أن تفضي إلى نتائج ملموسة. غير أن الجديد في هذه الجولة هو التقاء المصالح السياسية للطرفين الرئيسيين – إسرائيل وحماس – حول ضرورة التهدئة، ولو لأسباب متباينة.
فإسرائيل تسعى إلى إخراج ملف غزة من واجهة الصراع مؤقتًا، وسط ضغوط داخلية وأمنية متزايدة، فيما تبدو حركة حماس مهتمة بتخفيف العبء الإنساني عن السكان في القطاع، وتسجيل مكاسب سياسية على الأرض من خلال صفقة تبادل أسرى تشمل شخصيات بارزة.
هل تُكتب نهاية الحرب في الدوحة؟
يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت جولة الدوحة الحالية ستنتهي باتفاق فعلي يُنهي الحرب في غزة، أم أنها ستنضم إلى قائمة المحاولات غير المكتملة. لكن ما هو مؤكد أن المناخ الإقليمي والدولي بات أكثر تهيئة من أي وقت مضى لإنجاز تفاهم شامل، خاصة في ظل وجود إرادة سياسية وغطاء دولي واضح، وحرص أميركي على انتزاع اتفاق يمكن البناء عليه لاحقًا في مسارات أوسع تشمل إعادة الإعمار، وترتيب المشهد السياسي الفلسطيني.
وبينما تتجه الأنظار إلى الدوحة، يبدو أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد شكل المرحلة المقبلة في غزة، وما إذا كانت المنطقة مقبلة على هدوء طال انتظاره… أم جولة أخرى من الفوضى والتصعيد.