في خضم الصراع المحتدم في غزة، ومع مرور أشهر على عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، تصاعدت الأصوات المنتقدة لتوقيت العملية ومدى صواب تقديراتها السياسية والعسكرية. من بين أبرز هذه الأصوات، كان المفكر الإسلامي عدنان إبراهيم، الذي أبدى موقفًا نقديًا لاذعًا للعملية، معتبرًا أنها جلبت “نتائج كارثية” على غزة، ولم تحقق ما كانت تصبو إليه المقاومة من أهداف.
عدنان إبراهيم: “تم بيعنا.. وكان يمكن تفادي الكارثة”
في مقابلة مثيرة للجدل على بودكاست “عرب كاست”، أعرب عدنان إبراهيم عن صدمته من عملية 7 أكتوبر، واصفًا ما حدث بأنه “بيع لدماء الفلسطينيين”. وقال بصراحة لافتة:
“لم أستطع تصديق ما حدث. ما شاهدناه بعد العملية لم يكن تحريرًا، بل إبادة جماعية. لم يكن هناك استعداد حقيقي لمواجهة الرد الإسرائيلي، وكان يمكن تفادي هذه الكارثة بمسار تفاوضي أفضل”.
وأضاف أن حركة حماس لم تحسب جيدًا مآلات الأمور، وخاصة على الصعيد الدولي، معبرًا عن استيائه من الصمت الغربي الذي أعقب العملية، والذي سمح لإسرائيل بالمضي قدمًا في حرب مفتوحة أودت بحياة آلاف المدنيين ودمرت البنية التحتية في غزة.
الخطأ في التقدير: حماس كانت تراهن على واقع دولي مختلف
بحسب مصادر مقربة من حركة حماس وبعض التحليلات السياسية المنشورة في وسائل الإعلام المقربة من المقاومة، فإن الحركة كانت تعوّل على تحرك دولي سريع لإجبار إسرائيل على القبول بـ صفقة تبادل أسرى دون الدخول في حرب شاملة. وكانت التقديرات أن العملية المفاجئة ستضع تل أبيب في موقف محرج، يدفعها لتقديم تنازلات، خاصة وأن الرأي العام العالمي كان قد بدأ يُظهر تعاطفًا نسبيًا مع القضية الفلسطينية بعد سنوات من الحصار والمعاناة.
لكن الواقع كان مغايرًا تمامًا. فقد جاء الرد الإسرائيلي غير مسبوق من حيث القوة والوحشية، ورافقه صمتٌ غربيٌ فاضح، بل ودعم سياسي وعسكري مباشر من بعض الدول الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وبدلًا من أن تُجبر إسرائيل على التفاوض، وُضعت غزة تحت نيران كثيفة، وسط تنديد دولي باهت لا يرقى إلى مستوى ما يجري على الأرض.
إبراهيم عيسى وآخرون: “عملية عديمة الجدوى”
الكاتب والإعلامي المصري إبراهيم عيسى تبنى وجهة نظر مشابهة، وذهب إلى حد وصف عملية طوفان الأقصى بأنها “عدمية” و”كارثية”. وقال في أحد برامجه:
“ما الذي تحقق؟ إسرائيل استخدمت الهجوم كذريعة لتدمير غزة، وقصف المستشفيات، وتهجير المدنيين، وكل ذلك تحت غطاء دولي… ما حدث هو كارثة باسم البطولة”.
وشارك عدد من المحللين والكتاب العرب الرأي ذاته، معتبرين أن العمل المقاوم يحتاج إلى عقلانية في التوقيت ووضوح في الأهداف، وأن عملية بهذا الحجم دون خطة سياسية بديلة ولا غطاء إقليمي واضح، كانت مقامرة محفوفة بالمخاطر.
بين الواقعية الثورية والحسابات الخاطئة
من جهة أخرى، يرى بعض أنصار المقاومة أن العملية كانت “ضرورية لكسر الجمود”، وأن العالم لن يتحرك إلا بوقائع صادمة، غير أن الفريق الآخر -ومنهم عدنان إبراهيم- يصرّ على أن الدم الفلسطيني ليس أداة لصدمة العالم، وأن ما بعد طوفان الأقصى لم يحمل تغييرًا جذريًا في ميزان القوى، بل أدى إلى نكسة إنسانية ومأساة وطنية.
كما أثار إبراهيم سؤالاً مهمًا:
“هل كان هناك سيناريو بديل لتفادي هذا الدمار؟ وإذا كان الجواب نعم، فلماذا لم يُؤخذ به؟”
دروس مؤلمة من طوفان الأقصى
لا شك أن عملية طوفان الأقصى ستبقى محطة محورية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سواء من حيث تبعاتها أو جدلها السياسي والأخلاقي. وموقف عدنان إبراهيم يمثل اتجاهًا نقديًا عميقًا داخل الخطاب العربي والإسلامي، يحاول التوفيق بين دعم القضية الفلسطينية من جهة، والدعوة إلى تقييم عقلاني لتكلفة المواجهات من جهة أخرى.
ما بين من يرى في “الطوفان” خطوة بطولية، ومن يراه خطأً استراتيجيًا مكلفًا، تبقى الحقيقة المؤلمة أن غزة دفعت الثمن الأكبر، وأن مراجعة القرارات المصيرية في مثل هذه السياقات أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.