تُصرّ حركة “حماس”، من خلال ذراعها العسكري كتائب القسام، على بث مشاهد لعمليات استهداف محدودة ضد القوات الإسرائيلية في غزة، في محاولة لإبراز ما تعتبره “صموداً ميدانياً” في مواجهة آلة عسكرية غاشمة. غير أن هذا الإصرار المستمر على تسجيل “إنجازات رمزية” في ساحة المعركة يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة الحسابات السياسية والعسكرية للحركة، ومدى إدراكها لحجم الكارثة التي ألمّت بغزة منذ السابع من أكتوبر.
حماس تتحدث بلغة النصر
رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على بدء العدوان الإسرائيلي الواسع، الذي دمّر البنية التحتية للقطاع وأدى إلى استشهاد عشرات الآلاف من المدنيين وتهجير معظم السكان، لا تزال “حماس” تتحدث بلغة النصر، متجاهلة عمق المأساة الإنسانية. مشاهد استهداف دبابة أو قنص جندي إسرائيلي لا يمكنها أن تحجب حقيقة أن قطاع غزة قد تحول إلى أنقاض، وأن المجتمع الغزي يواجه شبح الجوع، والمرض، والتهجير، وفقدان أبسط مقومات الحياة.
إن مواصلة الحركة إصدار بيانات عسكرية وتصوير عملياتها ضمن سلسلة مثل “حجارة داود”، في وقتٍ تفتقر فيه المستشفيات إلى الدواء وتغرق المناطق السكنية بالركام، يعكس انفصالاً مقلقاً عن الواقع الميداني والمعاناة الجماعية للسكان. فبينما تبحث العائلات عن رغيف خبز ومكان آمن يأويها، تُقدَّم تلك المشاهد كأدلة على “الانتصار”، دون أي مراجعة حقيقية للمآلات الكارثية التي أفضى إليها قرار السابع من أكتوبر.
معركة بقاء لشعب يواجه الإبادة والتجويع
الأكثر مدعاة للقلق هو ما يبدو من محاولة الحركة إعادة التموضع إقليمياً على وقع تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران. إذ تشير التقديرات إلى أن حماس قد ترى في انشغال إسرائيل على جبهات متعددة فرصة لإعادة بناء نفوذها أو تجميع قواها، من دون حساب كلفة ذلك على المدنيين في غزة، الذين يدفعون ثمن كل مغامرة سياسية أو عسكرية.
حركة حماس مطالَبة الآن بمراجعة جذرية لاستراتيجيتها، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل في خطابها السياسي تجاه الداخل الفلسطيني. التلويح المستمر بعمليات المقاومة، في ظل صمتٍ عن تداعيات الحرب المدمّرة على السكان، لم يعد مقبولاً ولا مجدياً. فالحرب لم تعد فقط بين فصائل ومحتل، بل تحوّلت إلى معركة بقاء لشعب يواجه الإبادة والتجويع والتهميش، بينما تُرك رهينة حسابات سياسية تتجاهل فداحة ما يجري على الأرض.